شباب يفضلون الارتباط على شاكلة الآباء والأجداد
انتشرت في الآونة الأخيرة، ظاهرة مستجدة بين أوساط النساء، مفادها أن الأم إذا أرادت تزويج ابنها تبحث له بطريقة ربما لايستسيغها الكثيرون
فهي التي تدخل إلى البيت بعلم من الفتاة وأهلها لرؤيتها ومعاينتها كبضاعة، فإن أعجبتها تمت الخطبة وإن لم تعجبها خرجت بلا عودة. حيث أصبح الأبناء يولون الأم مهمة تزويجهم، وإن تبوأ الابن أرقى المناصب وأرفعها، أو كان لديه مستوى علمي رفيع، ولكن ما إن يتعلق الأمر بزواجه فإن صاحبة القرارالأول والأخير هي الأم التي تختار الكنّة التي تراها الأنسب له، إذ تقوم بترشيح إحداهن لابنها دون أن يراها أو حتى يتعرف عليها، ويقبل بها بمجرد أن تقوم والدته بوصفها له شكلا.
زواج بعد المداولات
ولأن الزواج عقد بلا ضمانات، ولأن ثورة الهاتف النقال تحمل في طياتها سلبيات كثيرة، قرر بعض الشباب العودة إلى الزواج التقليدي، من أجل ضمان العذرية العاطفية لمن سيرتبطون بها، ويبقى ترشيح الأم التي لا تخطئ بعينها الثاقبة أبدا، هو شهادة الضمان وصمّام الأمان، حتى تقوم علاقة زوجية مبنية على أسس سليمة، على الرغم من قدرة هؤلاء الشباب على اختيار شريكة حياتهم، لكنهم يعزفون عن ذلك بحجة أن الأم أقدر منهم على اختيار المرأة المناسبة لهم، لتنطلق رحلة البحث التي قد تتسع دائرتها لتشمل المقربين من الخالات والعمّات من أجل العثور على الفتاة المناسبة وغالبا ما يقع الاختيار في البداية على إحدى بنات العائلة اللائي يحببنهن ويثقن في أخلاقهم، بعدها ينعقد مجلس الشورى الذي تترأسه الأم لأخذ رأي الابن في عروسه المستقبلية، التي لم يرها قط في حياته ولا يعرف عنها شيئا، وبعد المداولات تتقدم الحماة لخطبة كنتها بعد أن يتم الاتصال بأمها لتحديد موعد الخطبة، وتتم الزيارة بصحبة أخوات العريس وبعض نساء العائلة لرؤية الفتاة عن قرب، ليتم إصدار الحكم النهائي عليها، إما أن تنضم إلى الأسرة أو يخرجون بدون رجعة.
زواجي تتكفل به “العجوز يما”
استجوبنا بعض الشباب عن هذه القضية بغية معرفة المزيد، حيث قال كريم أنه يفضل أن تتولى- العجوز- أمه أمر تزويجه، كونه يرى في ذلك الطريقة الأمثل لضمان اختيار شريكة حياته، خاصة في ظل الانفتاح الفظيع الذي عرفه المجتمع الجزائري وكثرة الاختلاط ، وأكد لنا أنه يشك في أي فتاة يلتقي بها، ولا يثق في حديثها أو تصرفاتها أو عذريتها العاطفية أي؛ لا تكون قد ارتبطت بشخص واحد من قبل.
من جهته قال جمال، وهو مهندس بناء، أنه يفضل أن تتولى أمه هذه المهمة لتضمن له أن تكون المرأة التي وقع عليها الاختيار هي تلك الفتاة الخام والقطة المغمضة العينين التي لم تعرف غيره، خاصة وأن بنات “الفاميليا” (العائلات المحترمة) أصبحن عملة نادرة جدا في هذا الزمن ـ على حد تعبيره ـ وأضاف أن الفتيات المغريات كثيرة من حوله، ولكنه يثق أكثر في ذوق واختيار أمه وأخواتهم لزوجاته المستقبلية.
سألنا زهير الذي يبلغ من العمر 33سنة، ومتحصل على دكتوراه في المحاسبة، قال أن سبب عزوفه عن اختيار نصفه الآخر بنفسه هو فقدانه للثقة في الفتيات بشكل شبه كلي، حيث قال “تعرفت على فتاة وأحببتها وطلبت يدها للزواج، ثم عرفت أنها أحبت رجلا آخر من قبلي، وقتها تركها لأنها ببساطة تامة لم تعد فتاة أحلامي، وبعد تعب وجهد وبحث في النهاية استسلمت لاختيار والدتي، على الرغم من أن هذه الفتاة لا تحمل الصفات التي أحبذها في فتاة أحلامي، ولكنني ارتبطت بها فقط لأنها لم تكن تعرف غيري، والتي رأتها أمي في حمام الحي الذي ترتاده”.
زواج فاشل نهايته الطلاق
يرى كمال وهو أحد الشباب الذين مروا بتجربة الزواج التقليدي، أنه أسلوب فاشل للارتباط وتكوين أسرة، خاصة وأنه خضع في وقت سابق إلى تجربة الزواج التقليدي وفشلت لسبب بسيط هو أن الارتباط تم عن طريق أمه التي اختارت له، وبالتالي لم تكن هناك بينه و بينها أية معرفة مسبقة، وبمجرد الاتصال بها انكشفت له أمور أصبح يستحيل معها استمرار الزواج، ولذلك قرر ألا يرتبط إلا بفتاة من اختياره، لاعتقاده أن هذا النوع من الزواج تتوفر فيه أغلب شروط الزواج الناجح المستقر والقائم على الصراحة والصدق والمعرفة السابقة بكل شيء.
زوجة تحت الطلب
هذه الظاهرة لا تقتصر على الشباب الجزائري داخل الوطن، بل امتدت إلى المغتربين في الخارج أيضا، على الرغم من إمكانية الاقتران بأجنبية، أو حتى اختيار فتاة كان يعرفها في الجزائر، و لكنهم بمجرد أن تتحسن وضعيتهم المادية يتصل - بالعجوز – لتخطب له إحداهن.
ويرى مصطفى ماضي أستاذ في علم الاجتماع، أن سبب لجوء الشباب إلى الزواج التقليدي، راجع إلى التخلف الفكري الذي أصبح يعيش فيه الشباب الجزائري وسيطرة الفكر الديني المتخلف، حيث انتشرت نماذج لشباب متطورين ومتفتحين ظاهريا، وذلك التطور لا يتجاوز لباسهم فقط، وما إن يتعلق الأمر بالنصف الآخر فإنه يدخل في دهاليز التخلف من أوسع أبوابه، غارقا في جمود فكري عقيم، وإن كان لديه مستوى علمي كبير.
ومن جهة أخرى؛ يرى ماضي أن التدفق الإعلامي والمعلوماتي من خلال الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة خاصة الانترنت، يضع الشباب من الجنسين في عالم متحرر حيث أصبح التخاطب مع الجنس الآخر أمرا سهلا وعاديا، بدون حواجز أو موانع تردعه، في ظل ضياع العادات وضعف الوازع الديني، ويرى أن الزواج التقليدي قد ينجح في بعض الأحيان ويفشل في أحيان أخرى، شأنه شأن الزواج عن حب فإنه قد ينجح أو يفشل، فالزواج في النهاية قسمة ونصيب.