سيرة الإمام علي (3)
حضر علي بن أبي طالب رضي الله عنه معركة خيبر. روى مسلم في صحيح عن سهل بن سعد “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر:
لأعطين هذه الراية رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فبات الناس يدوكون ليلهم أيهم يعطاها. فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه. فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية”.
تدل هذه الروايات كلها على المكانة الخاصة التي نالها علي بن أبي طالب في تاريخ الإسلام، وفي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتدل أيضا بشكل واضح أنها مكانة استحقها بجميل فعاله وكريم خصاله، وليس فقط بقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم. مكانته استحقها بتفانيه في خدمة الإسلام ونصرته من المواقع المتقدمة في كل الجبهات.
تزوج علي بن أبي طالب بالسيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية للهجرة النبوية ورزق منها بأبنائه الحسن والحسين وأم كلثوم. عاش معها في بيت من بيوت الإيمان والطهر والتقوى، وكان هذا النسب الشريف الكريم عاملا إضافيا من عوامل تقوية الصلة بين علي وسيد الخلق خاتم النبيين محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.
بهذه الصفات كلها من القرابة العائلية والروحية، كان على بن أبي طالب حاضرا بقوة في كل ما يتصل بمراسم دفن النبي صلى الله عليه وسلم، إثر وفاته في الثاني عشر من ربيع الأول في العام الحادي عشر للهجرة، بعد أن غير وجه الدنيا ومسار التاريخ بأنوار الإسلام. شارك علي في غسل النبي مع العباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أيضا من الذين نزلوا إلى قبره مع الفضل وقثم ابني العباس ومع شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الإسلام وتاريخ علي: مرحلة الخلافة الراشدة التي دشنها خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، وأجمع المؤرخون المسلمون أنها ختمت باغتيال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في العام الأربعين من الهجرة.
لم يوص النبي صلى الله عليه وسلم بالخلافة السياسية لأحد من بعده، وإنما ترك الأمر لاجتهاد المسلمين. ولم يتضمن القرآن الكريم آية واحدة مفصلة توجه المسلمين إلى ما ينبغي فعله بشكل محدد ودقيق بشأن الحكم السياسي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بشأن طبيعة نظام الحكم. لحكمة إلاهية ترك هذا الأمر للمسلمين، ليجتهدوا في التعاطي معه، ضمن القواعد الكلية للشريعة الإسلامية التي تحث، من ضمن أمور كثيرة نبيلة تحث عليها، على الشورى وتأمر بالعدل والوفاء بالعهد ورعاية الفقراء والمحتاجين والحفاظ على كرامة الإنسان. (وأواصل غدا إن شاء الله تعالى)