حبه كان عزائي وقد قابل بالغدر وفائي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته، سيدتي لم أتخيل يوما نفسي أسقط صريعة الهوى الذي ساقني إلى عالم الشجن والحيرة، فأنا سيدتي فتاة طاهرة بريئة لم أعرف يوما معنى السعادة، حيث إنني فقدت والدي وأنا في سن كنت فيه في أمس الحاجة إلى الحنان والرعاية، ولأن الفراغ العاطفي كان أهم ما يميز أيامي التي تحولت إلى سوداء بعد أن كان من المفروض أن تكون وردية، لم أدر بنفسي إلا وقد وقعت في سراديب حب لم أكن لأحسب حسابا لنهايته حيث إنها كانت ملوّنة بالغدر والخديعة.فبعد أن كنت أبحث عن الحب والحنان والاستقرار الذي لم أعرف لهم طعما بعد زواج أمي، رميت بكل ما لدي من مشاعر بين يدي زميل لي في العمل، أوهمني بأنه يحس بي ويهيم بقلبي البريء الذي لم يعرف مثله أبدا، صدقته ورحت أبني معه قصورا جميلة في مخيلتي، قصورا كنت أحسبها ستحتضن قلبينا بعد أن تكلل علاقتنا بالزواج مثلما كنت أتوقعه، فمضيت في هذه العلاقة لأجد السنين تفلت من بين يدي انفلاتا وحبيب القلب لا يحرك ساكنا.كنت لا أعلم بظروفه المادية ولا بعدم قدرته على فتح بيت وإعالة أسرة، وقد خلته يدخر من مرتبه الشيء الذي يسمح له بأن يكوّن نفسه للتقدم لخطبتي، فأردت أن أزعزع فيه بعض المسؤولية وتجرأت بمفاتحته في موضوع ارتباطنا، لأجده يخبرني بأن مسؤولياته تجاه أهله كونه المعيل الوحيد لهم يحول دون أن يحقق لي أهم خطوة تكلل عواطفنا الجياشة ولو حتى بالخطوبة.لم أكن لأضرب الأخماس بالأسداس، ولا بأن أطيل التفكير في المسألة، وما دام الأمر يخص سعادتي وبلوغ مستقري، لم أكن لأقترح على الحبيب تسهيلات تمكّنه من التشجع وقبول مساعدتي ووقوفي إلى جانبه. وكان هو كمن يتحين الفرص ليطلب مني مالا حتى يتمكن من القيام بالخطوة الأولى أمام أهلي، وحتى يحفظ ماء وجهه أمام أخوالي المعروفين في المنطقة بسمعتهم ونفوذهم، فكان له ما أراد ومنحته كل ما كنت أدخره وأملكه على أمل أن يكون آخر فصل لحكايتنا أجمل مما كنا نتوقعه، بالرغم من تحذيرات إحدى صديقاتي التي أخطرتني بأن استثماري هذا سرعان ما سيعرف الفشل، لأنه ما من رجل على وجه الأرض يقبل ويرضى بأن يأخذ مالا من إمرأة مهما كانت درجة قرابته بها ولو كان على سبيل السلفة، على حد قولها، ويا ليتني صدقتها وحسبت فيه حسابا لنهاية كانت أمرّ من العلقم.ومرت الأيام وأنا أمنّي نفسي بما يثلج الصدر، إلا أنني تفاجأت ذات مرة بتغيبه عن العمل، فطلبته على هاتفه المحمول لأستقصي الأمر لأجد والدته ترد علي والدموع تخنقها، مخبرة إياي بأن من كنت أنتظره أن يحملني على جواده الأبيض اقتطع لنفسه رحلة أبدية يضمن من خلالها المسكن والعمل وراء البحر… لم أكد أتمالك نفسي وسقطت من هول الصدمة مغشيا علي، ولم استفق إلا وأنا في المستشفى بعد أن أصبت بانهيار عصبي.من المؤكد أن أقل ما يمكن أن تصفيني به سيكون الغباء والسذاجة، خاصة إن أخبرتك أن أكثر ما حزّ نفسي لم يكن خسارتي للمال الذي كنت أدّخره ليوم الشدة بقدر ما كان أسفي لأنني منحت قلبي لمن لم يكن يستحق أن ينبض على وقع حبه.أعلم بأنه يحيا اليوم حياة هنيئة ومستقرة، ومتأكدة أنه يتهكم علي ويسخر من غبائي كلما تذكرني، إلا أنني لا أنكر أنني ذهبت ضحية تسليمي بخرافة لم يعد لها اليوم محلا من الإعراب في حياتي: فبائسة هي من سلمت بالحب، ويا للهول من أعمت المشاعر بصيرتها فلم تر غير الحبيب إنسانا صادقا بالرغم من أنه كان يرتدي ثوب الخيانة والمكر… أتقبل كل رد منك سيدتي، فمن يهن يسهل الهوان عليه، وما لجرح بميت إيلام.
المخدوعة من العاصمة
الرد:
لا يوجد ما هو أمرّ في هذه الحياة من الخداع والمكر، خاصة إذا كانا من شخص نكنّ له عظيم المشاعر وأجملها، ولا تقتصر هذه الكلمات على النساء أو الفتيات فقط، فحتى الرجال بالرغم من قوتهم ورباطة جأشهم إلا أنهم يسقطون أمام سلطان الهوى الذي يطوّعهم ويجعلهم قاب قوسين أو أدنى من التماسك أو القوة.أنت أخيّتي واحدة من بين الآلاف ممن خُدعن باسم الحب، فعادة ما يستغل بعض الشباب سامحهم الله ضعف وسذاجة الفتيات ليلعبوا ويعبثوا بمشاعرهن شر العبث، غير مدركين بأن ما يقومون به لهو ضعف من جهتهم وتبيان على عدم مسؤوليتهم، وليس دليلا على الرجولة.لا ألومك أختاه لأنك حلمت، ولا أؤنبك أيضا لأنك وثقت بمن لم يقدّرك، فقد مررت بحالة من الفراغ واليأس والقنوط الذي دفع بك دفعا نحو التسليم بقلبك لمن لا يستحقه، والدليل فحتى نصائح صديقتك لم تأخذيها بعين الاعتبار ورحت تمنحين مالك لشاب أظنه كان يحسب حسابا لكل خطوة ولكل كلمة كان يوهمك من خلالها بحبه.لا أجد ما أواسيك به عزيزتي سوى أن أنصحك بأن تحمدي الله وتشكريه على أنك لم تخسري ما هو أهم: شرفك الذي والحمد لله لم يكن من الأولويات لدى هذا الشاب، الذي لا مكان في قلبه للعواطف والمشاعر والدليل أنه أخذ الجمل بما حمل وفرّ هاربا من دون أن يخطرك بذلك، وكأنك لم تكوني بالنسبة له سوى موردا للمال أمّن به مستقبله ورحلته السرمدية التي يبدو أنه خطط لها طويلا، حيث إنه لا يعقل أن يكون قد اختار السفر هكذا جزافا من دون أن تكون لديه خلفيات أو طموحات، والدليل ما أخبرتك به والدته الثكلى التي لم تشفع لها دموعها لديه، بأنه غادر وإلى غير رجعة.لا يختلف اثنان أنك في حاجة إلى فترة حتى تتماسكي لتبدئي من جديد، إلا أنه أكثر ماعليك فعله أن تسارعي إلى لملمة جراحك والعودة إلى ما كنت عليه بالرغم من صعوبة الأمر، فالدنيا لاتزال بخير كما أن الحياة فيها من المفاجآت والآمال ما بإمكانه أن يمحو أيام الحزن والأسى.لا تأبهي لأمر الحبيب المخادع ولا تخمني في أنه قد يتذكرك في غربته السعيدة، أو بأنه قد يشكر لك حسن صنيعك بأن كنت وفية مخلصة له وموردا لمال فتح له الأبواب والآفاق، لأنه لن يتذكر فيك سوى الفتاة المغفلة الساذجة التي ضحت بسبب وعد كاذب منه بكل ما تملكه من مال تعبت من أجل جنيه وسهرت على أن تحفظه ليوم الشدة.أدركي أختاه أن الطمع والحب لا يتفقان، ومهما كان للرجل من مآرب مادية لدى الفتاة لم يكن ما يكنّه لها بالحب أبدا، تفاءلي وتماسكي وضعي نصب عينيك أنه لا لوم عليك فقد منحت كل ما تملكين من عواطف وأحلام لمن خدعك وخانك، ومادامت النية الخالصة هي عملتك فالقدر سيجمعك لا محالة بمن سيقدر فيك هذه الندرة في زمن لم يعد فيه - للأسف – للحب مكان.
ردت نور