جزائريون يحجزون قبورهم قبل الموت
بقلم
آمال لكال
تشهد العاصمة والعديد من المدن الكبرى بالجزائر، أزمة حادة في عملية دفن الموتى، بعد اكتظاظ المقابر القديمة وانعدام مساحات للدفن بها. غير أن المشكل المطروح هو أن الجزائريين بهذه المدن لن يجدو مكانا لدفن مواتهم بعد 20 سنة بسبب انعدام العقار.
- العاصمة تدفن بين 20 و30 جثة يوميا وفراغ قانوني في مجال دفن الموتى
- كشف مدير تسيير الجنائز ومصلحة حفظ الجثث لولاية الجزائر، أن 18 بلدية بالعاصمة أصبحت مملوءة عن آخرها، إذ لا تجد العائلات القاطنة بإقليم هذه البلديات مكانا تدفن فيه موتاها، على غرار مقبرة القطار وسيدي امحمد وميرامار والمدنية، ما يستدعي التنقل إلى بلديات أخرى بحثا عن قبور شاغرة. وفي الإطار نفسه، لجأت إدارة المديرية إلى التفكير في حلول عاجلة لتدارك الوضع واتخاذ عدة إجراءات كإنشاء مقابر جديدة خارج العاصمة.
- تسيّب المسؤولين في تطبيق القانون وراء المشكل
- من جانب آخر، حمّلت مصادر عليمة بالملف في اتصال مع “النهار” مسؤولية نقص العقارات بالمدن الكبرى الموجه لإنشاء مقابر، وكذا انعدام المقابر ببعض المدن إلى السلطات المعنية التي لم تعر أي اهتمام للمقابر كمكان مهم في حياة المسلمين، بالإضافة إلى تجاوز قوانين العمران التي تفرض إدراج مقبرة في المخططات العمرانية للمدن الجديدة. وهو أمر غير وارد، حيث تعكف الدولة على تشييد مدن يتجاوز تعداد سكانها 300 ألف نسمة كمدينة سيدي عبد الله بالجزائر العاصمة، ومدينة علي منجل بولاية قسنطينة، والتي بالرغم من توفرها على العديد من المرافق العامة، إلا أن المقبرة الغائب الأكبر، الأمر الذي يزيد من تأزم الوضع وتعقيده، خاصة على المدى البعيد إذا علمنا بأن كل العقارات موجهة إلى مشاريع سكنية وعمرانية. وقال مدير تسيير الجنائز ومصلحة حفظ الجثث لولاية أحمد جخنون، في لقاء مع “النهار” أن المديرية كجهاز، لها صلاحيات للبحث عن أراضٍ وعقارات لإنشاء مقابر جديدة، وذلك بالتنسيق مع الولايات المنتدبة لرصد العقارات الموجودة بها، والتي تصلح للعملية لتسفر النتائج الأولية عن انعدام كلي للعقارات بغرب العاصمة ووسطها وكذا بشرق الجزائر. كما تمكنت المديرية من الحصول على عقارات بكل من بلديات جسر قسنطينة وبئرخادم والدار البيضاء والشراڤة، وتعد هذه المشاريع في طور الإنجاز، غير أن التوسّع العمراني التي تشهده الجزائر -مؤخرا- بإنشاء مدن جديدة من شأنه أن يعقّد الأمر أكثر.
- وبخصوص الإجراءات الاستعجالية التي اتخذتها الجهات المسؤولة للتخفيف من الضغط على المقابر القديمة
- والمكتظة، فإن الجهات المسؤولة قامت بتوسيع المقابر كمقبرة “ڤاريدي” والحمامات وعين البنيان وسيدي نعمان ببوزريعة، وكذا إعادة تأهيل القبور المنسية التي تجاوز عمرها 50 سنة. وإلى غاية الساعة، بلغت نسبة إعادة الاستغلال 50 بالمائة بمقبرة القطار، باعتبارها من أقدم المقابر بالجزائر، إذ يعود تاريخ تأسيسها إلى سنة 1830 وأغلبية القبور الموجودة بها تجاوزها الزمن، وأصحبت مجهولة ومهملة، إضافة إلى إعادة الدفن في القبور التي مر على عملية الدفن بها خمسة سنوات ويوم، حسب المشرع الجزائري، إلا أن العادات والتقاليد الجزائرية حالت دون ذلك لأن العائلة الجزائرية تعتبر القبر ملكية خاصة بها وترفض التنازل عليه جملة وتفصيلا، حتى أن الحالات التي يتم التنازل فيها عن القبر تكون بناء على إجراءات قانونية وإدارية، كما أن رفض العائلات دفن موتاها خارج الإقليم التي تقطن به زاد من تأزم الوضع.
- جزائريون يعدّون قبورهم قبل الموت
- أمر منطقي أن نسمع بأن شخصا مات فتم دفنه، لكن اللامنطقي أن نجد أشخاصا على قيد الحياة، يقومون بإعداد قبورهم تحسبا لليوم الموعود، وملاقاة الله عز وجل. ومثال ذلك السيد (م.ن - 50 سنة)، والذي لجأ إلى أحد العائلات التي تملك عدة قبور بمقبرة القطار، وطلب منها أن تمنحه قبرا.. في البداية تصورت العائلة أن الأمر يتعلق بوفاة لتتفاجأ العائلة بأن القبر سيكون له شخصيا.
- وفي السياق ذاته، قال مدير تسيير الجنائز ومصلحة حفظ الجثث لولاية الجزائر جخنون أحمد، إن القانون يسمح باكتساب أشخاص أحياء لقبور شاغرة، لكن شريطة أن يتم التنازل عليها من طرف المالكين الأصليين للقبر. وفي هذا الإطار، هناك إجراءات قانونية يتم اتخادها بعد استيفاء جميع الشروط، منها ملأ استمارات خاصة بالتنازل لتمنح المديرية ترخيص منح القبر للمالك الجديد بصفة نهائية. ومن جانب آخر، أكد أحمد جخنون أن العديد من الرعايا الأجانب يدفنون في مقابر المسلمين، بعد أن دخلوا في الإسلام، مشيرا إلى أن المؤسسة تفرض مجموعة من الإجراءت للتأكد من صحة أن الرعية مسلم لمنح الترخيص بالدفن. مؤكدا أن العديد من الرعايا يرفضون فكرة دفنهم في مقابر المسلمين، مشيرا إلى أن السلطات الجزائرية خصّصت مقابر خاصة، لدفن الرعايا الأجانب المنتسبين إلى ديانات مختلفة، كما أن عدم دفنهم في مقابر المسلمين يعد مخالفة للشريعة الإسلامية. وللإشارة، فإن مقبرة العالية بالعاصمة تحوي مربعات خاصة بدفن الرعايا الأجانب بالجزائر على غرار باقي المقابر، وذلك بناء على اتفاقيات دولية التي أمضتها الجزائر في هذا الإطار، والتي ترمي إلى دفن الأجانب الذين تكون إقامتهم بالجزائر إما في إطار عمل أو زيارة. وفي الوقت ذاته، أكد أن عمليات الدفن تكون بناء على طلب من الجهات الرسمية -بالنسبة للرعايا- كالقنصليات والسفارة أو العائلات التي تفضل أن تدفن موتاها بالجزائر. كما أن هذه العائلات تقوم إما بشراء أو كراء مربع خاص بالدفن -بالنسبة للمتوفين الأجانب- بمقبرة العالية لمدة قد تتجاوز 20 سنة، وذلك بناء على ماهو معمول به في التشريع الخاص بالبلد الذي ينتسب إليه المتوفى، كما تطبق عليه الشعائر الخاصة المتعلقة بالدفن، مشيرا إلى أنه في السابق كانت مقبرة مسيحية تقوم السلطات بتحويلها إلى المسلمين. وفي سياق آخر، صرّح المتحدث لـ “النهار” أن الكثير من الأقدام السوداء كتبت وصايا للدفن في الجزائر، بعد كراء المربع المخصّص للدفن أو يقومون بكرائه لمدة 20 إلى 30 سنة حسبما هو معمول به في القوانين الخاصة بهم.
- القانون يرفض دفن الجثث مجهولة الهوية
- وفي السياق ذاته، فإن التشريع الجزائر ي يرفض بصفة قطعية دفن الجثث التي لا يتم التعرف على هويتها. وهو الفراغ القانوني الذي من شأنه إحداث العديد من المشاكل، خاصة وأن الجزائر تشهد الكثير من الكوارث، سواء أكانت طبيعية أم أعمالا إرهابية وانتحارية، التي تتسبب في تشوهات خلقية للبشر وتصعب عملية التعرف على الجثة، ومنه فإن السلطات المسؤولة ترفض دفن الجثة وذلك بقوة القانون. وهو الأمر الذي طرح العديد من المشاكل على خلفية ما وقع للجثث الـ 10 لزلزال 2003، حيث بقيت لمدة أربعة سنوات في مصلحة حفظ الجثث من دون دفن إلى غاية 2007، حيث منح وكيل الجمهورية لمحكمة الحراش ترخيصا بدفنها وفقا للأعراف والتقاليد الجزائرية مع ترقيم قبورها، كما تم تخصيص مربع لها بالعالية، حيث أن ملف الجثث لا يزال مفتوحا وبإمكان العائلات التي تشك في أن الفقيد قد يكون من نفس العائلة، غير أنه لا أحد تقدم إلى الجهاز المسؤول بالرغم من مرور سنة على دفنهم.
- مصلحة جديدة لحفظ الجثث بالعالية
- على صعيد آخر، تعكف السلطات المعنية على إنشاء مصلحة جديدة لحفظ الجثث بالعالية، نظرا لتجربة الجزائر في الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، والتي أتبث الدور الكبير للمصلحة، خاصة وأنها تستقطب عددا كبيرا من الجثث، مشيرا إلى أنه يشرف على إنجازها مكتب الدراسات للسكن “ربيحة” حسب المسؤول الأول لقطاع المقابر بولاية الجزائر. حيث أن الدراسة الأولية للمشروع انتهت، فيما لم يتم تحديد الغلاف المالي للعملية ومدة الإنجاز تتراوح بين 15 إلى 12 شهرا، وتقدر سعة استيعاب المصلحة بـ 448 جثة، فيما سيتم نقل المصلحة القديمة إلى بلدية بولوغين، حيث توجد مصلحة خاصة تستوعب حوالي 106 جثة. كما أن المؤسسة وبناء على الاتفاقيات المبرمة مع مستشفيات العاصمة، فإن مديرية المقابر تقوم بدفن الأعضاء المبتورة. ومن جهة أخرى، فإن العاصمة تدفن يوميا ما بين 20 و30 جثة، فيما تقدر تكاليف الدفن للجثة الواحدة بـ 1 مليون سنتيم، ويدفع المواطن حوالي 2500 دينار إلى 1800 دينار من التكاليف الإجمالية لعملية الدفن، كما توجد بولاية الجزائر 141 مقبرة تسيّر المديرية 30 منها فقط، مساحتها تقدر بـ 80 هكتارا.
- مصلحة لنقل الجثث بالدينار الرمزي
- نظرا لانعدام مصالح مكلفة بالنقل جثث الموتى بين الولايات بالجزائر، فإن عائلات الضحايا تتكفل بنفسها بعملية نقل الضحية إلى ولايتها الأصلية بوسائلها الخاصة، ما يؤدي إلى تعفن الجثة وتحلّلها قبل عملية الدفن. وفي هذا الإطار، أوضح مدير المقابر لولاية الجزائر أن المديرية أنشأت مصلحة خاصة تعمل على نقل الجثث بين الولايات وبمبلغ رمزي، حيث يتم دفع 5 دج على الكلم الواحد، كما تحوي الشركة على 6 شاحنات مكيّفة لنقل الموتى.
رابط دائم :
https://nhar.tv/aJkbl