إعــــلانات

تفاصيل رابع محاولة إنقلاب على الرئيس بوتفليقة

تفاصيل رابع محاولة إنقلاب على الرئيس بوتفليقة

تكشف محاولات التيئيس التي تقودها هذه الأيام أوساط إعلامية، بإيعاز من فصيل سياسي معروف يحاول العودة لواجهة السلطة مجددا، كيف تحاول أوساط معروفة وغير معروفة في قطاع الإعلام، تحويل الصحافة الوطنية إلى ميلشيات سياسية، مهمتها الإطاحة بـ”فلان” وتنصيب “علان” في مكانه وكيف تحاول تلك الأوساط إلغاء الاحتكام للشعب، وإقرار قرارات الصالونات بدلا منه.

البداية كانت منذ أسابيع، عندما راحت جهات إعلامية معروفة بتوددها المفرط لكل ما هو فرنسي، وبالتحديد لكل ما هو قادم أو يمت بصلة للسفارة الفرنسية بالجزائر، الضرب والتشكيك في المؤسسات والشخصيات الوطنية، بطريقة مفضوحة، بدا المقصود منها هو التحريض على عصيان مدني ، أو القيام بـ “انقلاب أبيض”، أكثر مما بدا أن المقصود منها هو القيام بإعلام نزيه مهمته وهدفه تنوير الرأي العام ونقل الحقيقة.

منذ أسابيع قليلة، كان الحديث منصبا من طرف تلك الميليشيات السياسية والإعلامية، التي ألغتها التغييرات التي رافقت فترة حكم الرئيس بوتفليقة، على قضية الدبلوماسي محمد زيان حسني، وكانت زاوية المعالجة لا تختلف كثيرا عن تلك التي كانت الدوائر الرسمية في قصر الإيليزيه، أو صحفا فرنسية معروفة الولاء والتوجه مثل “لوموند” و”لوفيغارو”، حيث حوكم الدبلوماسي الجزائري من دون محاكمة أصلا، إذ نسجت الحكايات وبُلورت الخلاصات حتى قبل أن يقول القضاء الفرنسي كلمة الفصل في القضية، وتحول الدبلوماسي الجزائري من “بريء حتى تثبت إدانته”، إلى “مدان حتى تثبت براءته”. بل أن أمواج التهافت على النبش في الماضي والبحث عن خيط دخان يقود إلى الهدف المنشود، كان هذه المرة بطريقة الضرب تحت الحزام أو السعي لذلك، من خلال إثارة قضايا ومرافقة ذلك بجدل عقيم لا يختلف كثيرا عن سؤال من سبق الآخر.. البيضة أم الدجاجة؟.

مخطط “الانقلاب الأبيض”؛ على نظام حكم بوتفليقة كان هذه المرة، بأشكال وأوجه مغايرة، لما جرى حياكته خلال السنوات الماضية، فقبل سنوات وبالتحديد قبيل مجيء بوتفليقة للحكم، طرح “سؤال من يقتل من؟” الذي طُبخ على نار هادئة في السفارة الفرنسية بالجزائر، بشكل كان المراد منه إيفاد محققين دوليين للجزائر، أو وضع البلاد تحت الوصاية الدولية ومحاكمة ضباط وقادة الجيش أمام محكمة الجنايات الدولية، وما يرافق ذلك من تدخل في سيادة الدولة والشعب. ورغم ما جرى بعد نهاية الألفية الماضية وبداية قرن جديد، من أحداث ميزت الصعيد الدولي على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت نظرة العالم للإرهاب، إلا أن مزاعم المروجين لأطروحة “من يقتل من؟” استمرت، لكن على نحو محتشم لم يستطع أصحابه حتى إقناع الرأي العام بالاستماع إليهم.

وبعد سنوات، خرج خفافيش السياسة والمصالح، الذين حوّلوا قطاع الإعلام إلى حقل موبوء، بمخطط جديد تمثل في التحريض على رفض المسعى الذي رفعه الرئيس بوتفليقة، والهادف إلى إحلال المصالحة. ولم يكن ذلك الرفض والسعي لتعميمه بين سائر الطبقات الشعبية، نابعا عن إرادة أو رغبة ذات مسحة ديمقراطية في ممارسة المعارضة بأبهى صورها، وإنما كان الهدف منه هو إحداث الشقاق داخل صفوف المؤسسة الجمهورية الأولى في البلاد، التي كانت على الدوام حصنا حصينا وسدا منيعا لحماية النظام الجمهوري في البلاد، ألا وهي مؤسسة الجيش.

إحدى تلك المساعي التي نتحدث عنها؛ كانت عندما جرى الترويج لما مفاده أن سياسة السلم والمصالحة تتسامح مع من كانوا يمارسون التقتيل والذبح بالأمس، في محاولة غير مباشرة لتحريض ضباط الجيش على التمرد بعد وضع السلاح والكف عن محاربة الإرهاب، رغم أن الخطاب السياسي كان واضحا تمام الوضوح، بحيث ميّز وفرّق بين من يجب أن يفتح لهم أبواب المصالحة، وأولئك الدمويين الذين يرفضون السلم. وقد كان جليا كيف أن ميليشيات السياسة والمال ودعاة “الصدق والمصداقية”، من أشباه إعلاميين وساسة، حاولوا استغلال مسألة مكافحة الإرهاب كحصان طروادة، لضرب سياسة المصالحة والإطاحة ببوتفليقة عن طريق “عصيان عسكري” غير معلن، يقوم فيه ضباط الجيش بإعلان ما يشبه التمرد، ورفض مواجهة الإرهاب.

وبعد فشل كل تلك المحاولات، وبعد فتور لم يدم أو يعمر طويلا، عاد “أباطرة الأزمة” إلى البحث عن مسلك لتحقيق أمانيهم، ولم يكن الغطاء هذه المرة سوى الانتخابات الرئاسية القادمة لتنفيذ “انقلاب أبيض”، يبدأ من إرسال مبعوثين إلى الرئيس السابق الجنرال المتقاعد اليمين زروال بباتنة، لمحاولة إقناعه للمشاركة في الرئاسيات، وينتهي بشق صف الجيش الوطني الشعبي، وخلق نوع من العصيان الداخلي في وسط الجيش، لمناهضة سياسة بوتفليقة. وهي المحاولة اليائسة التي كانت تراهن على إستغلال ورقة “الجهوية” كحصان طروادة ضد الرئيس بوتفليقة، وضد مؤسسات الدولة.

وقد تزامن مع كل ذلك، محاولات من الفصيل السياسي الذي يتباكى على أيام “المجد الفرنسي” بالجزائر، أكثر من الفرنسيين أنفسهم، إثارة واستغلال قضية تواجد بعض قادة الثورة التحريرية في الحكم، لمحاولة تغذية نزعة أو صراع بين الأجيال، من خلال الدعوة إلى تقاعد هؤلاء عن الحكم. ولا غرابة في أن بعض هؤلاء لم يجد عناء في التنقل إلى المغرب، قصد دعم موقف الملك المغربي في قضية المغاربة المرحلين في حكم بومدين، دون تقديم تفاصيل ما حدث وكيف أن الجزائريين كانوا الأكثر تضررا في المغامرة التاريخية التي قادها القصر الملكي.

وفي الخفاء، كان واضحا وجليا كيف أن من يسمّون أنفسهم “دعاة التجديد والتغيير”، هم أنفسهم أقاموا المعارك فيما بينهم، لا لشيء سوى للدفاع عن مناصبهم ومصالحهم، عندما انكسرت شوكتهم وانكسرت إلى شطرين، الأول يدعو إلى عهدة ثالثة لرأس حربة “المليشيات السياسية”، والطرف الثاني يدعو للتغيير من أجل التغيير فقط. ألم يكن الأجدر بمن وقف ضد بوتفليقة مثلا لمنعه من تولي الحكم لفترة ثالثة، أن يفسح المجال داخل حزبه ولو لمرة واحدة منذ استقلال الجزائر، وكيف بمن حكم قيادة الحزب بقوة الحديد والنار لأزيد من خمسين عاما، أن يعطي المثل لغيره في الديمقراطية.

عندما يحاول “أباطرة الأزمة” ضرب مصداقية رموز الحكم في الجزائر، من خلال المطالبة بإنهاء حكم من تبقى من قادة الثورة التحريرية، والدعوة للانقلاب على بوتفليقة بصفته رئيسا للجمهورية ووزير الدفاع، والفريق محمد مدين، المدعو “توفيق”، بصفته قائدا لجهاز الاستعلامات والأمن، والدعوة لنشر صور هذا الأخير، وكأن هذه النقطة تشكل “مربط الفرس” في قضية دمقرطة الحكم، أو أن الشكل غير المعروف للفريق “توفيق”، يعيق عمل مؤسسات الدولة وفق القانون والالتزام بالدستور.. ولا يعيق عناصر تنظيم القاعدة الذي ستتقاطع دعوته حتما مع دعوات المقاطعين والمهللين والمُطبلين لعدم المشاركة في الرئاسيات.

عندما أثيرت قبل أسابيع؛ مجموعة من المسائل التاريخية ذات الصلة المباشرة بإعدام العقيد شعباني، إلى جانب تصريحات الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد كان الظاهر أن المقصود هو إثارة نقاش تاريخي أكاديمي هدفه دراسة مسار نظام سياسي وسير شخصيات وطنية، أكثر مما هو لمحاسبة هذا أو ذاك، لكن سرعان ما انكشفت العورات وتبين أن المغزى الكامل لكل ما جرى، هو دفع الشباب اليائس إلى التشكيك في قدسية الثورة التحريرية، وكره رموزها. ولا عجب أن يكتشف هؤلاء أن الشاذلي مجاهد في الثورة بعد عشرين سنة تقريبا من تنحيه عن الحكم.

وإذ تتناول “النهار” هذا الموضوع، فهي لا تفعل ذلك تملقا للرئيس، ولا توددا لجهات أخرى، وإنما دفاعا عن مؤسسات ورموز أكثر من الدفاع عن الأشخاص، وإن كان من الطبيعي والبديهي أننا سنُتهم فيما بعد بالموالاة لهذا الطرف أو ذاك، مثلما اتهمنا في السابق بالموالاة والعمالة للنظام، فإننا نقولها وكلنا اعتزاز أنه من دواعي الافتخار والسرور أن نوصف بأننا عملاء للوطن على أن نكون عملاء عليه لجهات أجنبية.. واللبيب بالإشارة يفهم!!.

لقد كنا في “النهار”، نأمل دوما لأن تكون أقلامنا، بحق، سلطة رابعة في إحدى السُلطات، التي تجتهد في كشف بؤر الفساد وتبديد المال العام والإساءة والتعسف في استعمال السلطة و”الحڤرة”، مثلما تجتهد أيضا في الدفاع عن رموز الدولة الجزائرية، وليس التلاعب بالرأي العام والتمظهر أمامه بمظهر وإخفاء البواطن والسرائر.

ويبقى في الأخير أن نشير إلى أن الكثير من المحاولات التي تستهدف تنفيذ “الانقلاب الأبيض” في البلاد، تحاك مخططاتها أساسا في سفارة فرنسا بالجزائر، ونذكّر أصحاب الذاكرة القصيرة باليوم الذي تحرك فيه رموز الثورة في الحكم، عندما تم الكشف عن قضية تجسس بالسفارة الفرنسية في الجزائر، قبل ثلاث سنوات.

اليوم؛ يمكن فقط للرأي العام أن يدرك معاني الكلمات المشفرة التي يطلقها من حين لآخر الرئيس بوتفليقة، وتوافقه فيها السيدة لويزة حنون، عندما تتحدث عن اليد الأجنبية والمخاطر الناجمة عن أصحاب المصالح من بارونات الاقتصاد والشركات متعددة الجنسيات، ويتأكد اليوم أيضا كيف كان قرار تأميم الثروات الوطنية، ومنع تحويل الأموال العمومية إلى الخارج، بعد التدابير الأخيرة المتخذة من طرف الرئيس بوتفليقة التي أقلقت كثيرا الشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات الأجنبية العاملة بالجزائر، وجعلتها تستغل المليشيات الإعلامية والسياسية الجزائرية للضغط على النظام، عبر السعي لدفع الشباب اليائس إلى تنفيذ “الانقلاب الأبيض”.

رابط دائم : https://nhar.tv/pLmoj