تسلل إليها من هب ودب، وتحولت إلى مجال للبزنسة والشعوذة وممارسة كل الممنوعات…أشخاص يستشفون بالرقية الشرعية وآخرون يتاجرون فيها ولو عبر النقال
“رقاة طلبوا 14 مليون سنتيم، ومغامرون تاجروا في صهريج ماء وادعوا أنه مرقي”
شاعت في الآونة الأخيرة ظاهرة الرقية عبر الهاتف أو عبر الفضائيات، ووصفها العديد بالغريبة والخطيرة، تبيّن مدى استخفاف البعض بقيم المجتمع والشروط الموضوعية والشرعية المطلوبة في مثل هذه الأمور، خاصة وأنها بدأت تنتشر خيوطها العنكبوتية في الوسط الاجتماعي الجزائري، رغم أن الشخص يمكنه أن يرقي نفسه بنفسه ويكون لها نفس المفعول، في وقت تعرف الرقية الشرعية العادية عدة تجاوزات وخروقات بعد تسلل بعض المشبوهين والانتهازيين واستغلالهم لحالات الناس النفسية والاجتماعية الصعبة، وذهب آخرون إلى حد استغلالها في أمور دنيئة وغير أخلاقية تضر بالعلاقات العائلية والاجتماعية وتمس بشرف الإنسان.
الرقية في الإسلام هي الدعاء من طرف رجل صالح وتقي يحب الخير للناس ولا يتخذ منها وظيفة أو تجارة، كما أنها تتطلب الحضور الشخصي للمعني المراد رقيته، ففي عهد الرسول (ص) لم يكن للراقي منصب معين، بل كان أي إنسان صالح يدعو للناس بالخير ويقوم برقيتهم، وهو يخالف ما نشاهده في المدة الأخيرة من تحول الرقية إلى تواصل عبر الهاتف أو الفضائيات أو الأنترنت، كما اتخذ البعض من الرقية الشرعية وظيفة.
وعن كيفية الرقية، يذكر لنا الشيخ شمس الدين، أن المريض أقرب الى الله من الصحيح، حيث يستطيع المريض أن يرقي لنفسه باعتباره قريبا من الله، ودعاء المريض مستجاب والرقية تكون بالقرآن والسنة ولا تكون بالطلاسم والبدع، كالضرب ورؤية الأشخاص في الرؤية، وظهور فاعل الشر، أو الإنسان الذي بدر منه الضرر، والكشف عن هويته، كما أن هناك من يضرب في الرقية حتى الموت، ومنه ما يختلي بالناس في الرقية، حيث أن ذلك حرام، فمن شروط الرقية عدم الخلوة وحضور المحارم واللباس الشرعي إلى غير ذلك من الشروط التي تثبت شرعية الرقية.
أما عن الرقية بالهواتف أو عبر الفضائيات فقد استغربها الشيخ شمس الدين، واعتبرها غير جائزة، وأن من يقوم بها هو في نظر الدين دجال ولا صلة له بالإسلام، خاصة وأن الرقية تقتضي حضور المعني ولمسه في يده، فكيف للراقي أن يعالج مريضه عن بعد، يتساءل الشيخ.
ومن خلال جولتنا تمكّنا من الحصول على عنوان أحد الرقاة، حيث قمنا بزيارة المكان والتقينا بعض النساء الملازمات للمكان، فصرحت “رانيا” أنها تقوم بزيارة الراقي لأنها أحست بشيء في قلبها لا يطمئنها وبمجرد ما زارت هذا الراقي، الذي قدم لها قارورة ماء مرقي وحثها على شربه بالانتظام وفعلت ما أمرت به، فبدأت حالتها النفسية تتحسن. وبمجرد ما انتهت القارورة حتى بدأت حالتها تسوء فاضطرت إلى معاودة الرقية”، وقالت عن الرقية بالهاتف “أنا لا أومن بها وهي كذبة”.
أما “عائشة” فتقول “أنا قمت بالرقية لأنني كنت مصابة بالعين، ولأن العين حق، لابد من التداوي بالرقية التي قضت على مرضي، حيث أنني كنت أحس بالفشل رغم أنني كنت معروفة بالنشاط الدائم أحسن من كل بنات أقاربي، إلا أنني أصبت بالعين وأصبحت كثيرة النوم ولا أقوم بواجباتي وتعرضت لعدة مشاكل، إلا أن الرقية الشرعية التي قمت بها كانت نتيجتها إيجابية”.
ماذا تقصدين بالرقية الشرعية؟
وأثناء استطلاعنا، لمسنا معرفة واسعة وسط الناس لشروط الرقية الشرعية، وما يدور في بعض المواقع المشبوهة، وأوضحت إحداهن قائلة” ذهبت إلى راق معروف، ورفض أن أكون لوحدي، حيث طلب دخول محرم رجل معي، وكان معي أخي الذي دخل الغرفة معي، كما كنت ألبس الحجاب، هذه هي قواعد الرقية الشرعية”، معتبرة الرقية عبر الفضائيات، كالتي تبثها قناة “الحقيقة” مصدر لتيهان المستمعين وهي رقية غير صحيحة.
كما كان لنا لقاء مع “سعيد”، جاء يطلب رقية شرعية، ولم يتردد في التجاوب مع انشغالنا والحديث عن أسباب مجيئه إلى الراقي، قائلا “أنا إنسان تقي وأؤمن بالله ورسوله، وإني أقوم بالرقية من حين لآخر لأني كنت أعمل في الصحراء، إلا أني تعرفت على فتاة من الجنوب أحببتها وكنت ملازما لها بشكل دائم، وأنها كانت لا تحب ذهابي لبيت أهلي حتى إنني بقيت عامين لم أر أهلي، حتى نصحني صاحب عملي أن أذهب إلى الراقي الذي ساعدني على تخطي المشكلة”، وأضاف “إنني أقوم بالرقية لأنني أخاف السحر والمس”.
أما عن “كريمة” فلم يسعفها الحظ لتلتقي براق مقتدر أو إنسان صالح مثل البقية، حيث صرحت أنها تعرضت للضرب وأصيبت بإصابات بليغة، كما أنها بقيت أسبوعين ملازمة الفراش وفرض عليها دفع مبلغ مالي قدره عشرة آلاف دينار جزائري من أجل شفائها، و”إذا امتنعت أبقى طول حياتي أعاني من المرض لأن الراقي تعرف على الجن الذي بداخلي، إلا أنني مرضت وامتنعت عن الذهاب إليه، وإني أحس بأنني شفيت تماما والحمد لله”. وخلافا للآخرين، فإنها أشارت إلى أنها تحب أن تجرب الرقية بالهاتف لأنها تبدو أفضل.
استغلال تجاري للرقية وإيمان الناس..ولوبالهاتف
أما عن ظاهرة الساعة وهي الرقية بالهاتف فتقول “فلة” إنها تعرف شخصا من الصحراء الجزائرية وهو من وفر لها رقم هاتف الراقي، حيث تتصل به في الليل لتقوم بقراءة مطولة للقرآن الكريم تشعر خلالها أنها تحسنت، كما ذكرت المتحدثة أنها قامت بإعطاء رقم الشيخ الراقي لكل زميلاتها، خاصة من لا تستطيع رؤية الراقي والذهاب إليه، كالأخوات والمتزوجات اللواتي يرفض أزواجهن ذلك.
كما أن هذه الحالات توضح حساسية الموضوع وخطورة الوضع، حيث تعرض العديد من الأشخاص إلى الوفاة بسبب الضرب المبرح، فقد أفاد الشيخ شمس الدين بأن هناك عائلة اتصلت بالراقي الذي حضر إلى المنزل وطلب مبلغ 14 مليون سنتيم، وهو أمر يخالف الشريعة الإسلامية، وأضاف في عرضه لجوانب مشينة، أن سيدي بلعباس شهدت ظاهرة خطيرة نشطها شابان، قاما ببيع الماء بالصهريج والادعاء بأنه ماء مرقي، مستغلين سذاجة الناس أو إيمانهم بالرقية في الربح السريع، معلقا “إذن يمكن لوزارة الموارد المائية أن ترقي مياه السدود وتكفي الناس شر القتال”!
أما “أحمد” فقال “أنا ضد الرقية بالهاتف لأن الراقي لا يعرف وضعية المريض ويقل التركيز في الاستماع للآيات القرآنية. في حين قدر “جمال” أن هذه الطريقة مفيدة لبعض الفئات العاجزة عن التنقل ويسهل عليها العملية، وخاصة للمرضى المقعدين وأنا لا أرضى لزوجتي وبناتي الذهاب إلى الراقي لكن بالهاتف لا أمانع لأنه لا يتعرف عليهن”. ورغم أن هذا الكلام يؤكد إيمان محدثنا بالرقية، إلا أنه لا يخفي توجسه من شخص الراقي.
وخلافا لتقبل الرقية عبر الهاتف وكل صور الاتصال عن بعد بسبب ظروف معينة، يقول الشيخ شمس الدين إن الرقية بالهاتف غير مقبولة ولابد من الحضور الشخصي للمريض. وقد نقل عن الرسول (ص) قوله في ذلك “ضع يدك على الداء وقل”، بمعنى أن الحضور مهم في جدوى الرقية وأن لا وجود للرقية عبر الهاتف أو الفضائيات.