انقضى من رمضان أكثره وما بقي أخيره وأعظمه
تأمل أيها المسلم في الزمن، إن عقارب الساعة تأكل الثواني أكلا، لا يتوقف ولا ينثني، بل لا يزال يجري ويلتهم الساعات والثواني، سواء كنت قائما أو نائما، عاملا أو عاطلا، وتذكر أن كل لحظة تمضي، وثانية تنقضي فإنما هي جزء من عمرك، وأنها مرصودة في سجلك ودفترك، ومكتوب في صحيفة حسناتك أو سيئاتك، فاتق الله في نفسك، واحرص على شغل أوقاتك فيما يقربك إلى ربك، ويكون سببا لسعادتك وحسن عاقبتك، في دنياك وآخرتك.وإذا كان قد ذهب من هذا الشهر أكثره، فقد بقي فيه أخيره، لقد بقي فيه العشر الأواخر التي هي زبدته وثمرته.لقد كان صلى الله عليه وسلم يعظّم هذه العشر، ويجتهد فيها اجتهادا وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما يمنعنا نحن المذنبين أن نقتدي به فنعرف لهذه الأيام فضلها، ونجتهد فيها، لعل الله أن يدركنا برحمته، ويسعفنا بنفحة من نفحاته، تكون سببا لسعادتنا في عاجل أمرنا وآجله.علينا باغتنام العشر الآواخر من رمضان والاجتهاد فيها بأنواع الطاعات، فينبغي لك أيها المسلم أن تفرغ نفسك هذه الأيام، وتخفف من الاشتغال بالدنيا، وتجتهد فيها بأنواع العبادة من صلاة وقراءة، وذكر وصدقة، وصلة للرحم وإحسان إلى الناس، فإنها أيام معدودة، ما أسرع أن تنقضي، وتُطوى صحائفها، ويُختم على عملك فيها، وأنت لا تدري هل تدرك هذه العشر مرة أخرى، أم يحول بينك وبينها الموت، بل لا تدري هل تكمل هذه العشر، وتُوفق لإتمام هذا الشهر، عليك بالاجتهاد فيها والحرص على اغتنام أيامها ولياليها، وينبغي لك أيها المسلم أن تحرص على إيقاظ أهلك، وحثهم على اغتنام هذه الليالي المباركة، ومشاركة المسلمين في تعظيمها والاجتهاد فيها بأنواع الطاعة والعبادة.ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان إذا دخل العشر الأواخر شد مئزره، وأحيى ليله وأيقظ أهله.من الحرمان العظيم، والخسارة الفادحة، أن نجد كثيرا من المسلمين، تمر بهم هذه الليالي المباركة، وهم عنها في غفلة معرضون، فيمضون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم، فيسهرون الليل كله أو معظمه في لهو ولعب، وفيما لا فائدة فيه، أو فيه فائدة محدودة يمكن تحصيلها في وقت آخر، وتجد بعضهم إذا جاء وقت القيام، انطرح على فراشه، وغط في نوم عميق، وفوّت على نفسه خيرا كثيرا، لعله لا يدركه في عام آخر.كما لا يفوتنا التعرف على فضل ليلة القدر التي قد أخفى الله سبحانه علمها على العباد رحمة بهم، ليجتهدوا في جميع ليالي العشر، وتكثر أعمالهم الصالحة فتزداد حسناتهم، وترتفع عند الله درجاتهم، وأخفاها سبحانه حتى يتبين الجاد في طلب الخير الحريص على إدراك هذا الفضل، من الكسول والمتهاون، فإن من حرص على شيء جد في طلبه، وسهل عليه التعب في سبيل بلوغه والظفر به، فأروا الله من أنفسكم خيرا واجتهدوا في هذه الليالي المباركة، وتعرضوا فيها للرحمات والنفحات، فإن المحروم من حُرم خير رمضان، وإن الشقي من فاته فيه المغفرة والرضوان.
عبد العزيز فوزان