“النهار” تزور عائلة محمد صابري المكنى صالح، بعد يوم من دفنه…أخبرني أنه سيذهب الى البحر لمدة 15 يوم، ليعود إلينا بعد 15 سنة في صندوق خشبي
كان يعاني من مرض الكلى، ويعد الارهابي الوحيد في كامل العائلة
لم تظهر عليه أي سلوكات والعائلة لاتملك صورة له كونه مزّق كل وثائقه وصوره
بعد يوم واحد من تشييع جنازته ودفنه بمقبرة “بوخالفة”، تنقلت “النهار” إلى منزل عائلة الارهابي المقضي عليه (من بين 12 ببني دوالة) الكائن بمنطقة “بوخالفة”، على بعد 3 كلم عن عاصمة الولاية تيزي وزو، المدعو صابري محمد المكنى صالح أغرب، يبلغ من العمر 41 سنة، وجدنا عدة الكراسي المستعملة للجنازة والتي حضرها العشرات من المواطنين، ما تزال بمكانها. استقبلنا والده شريف 68 سنة، رفقة شقيقه إبراهيم البالغ من العمر 35 سنة، وبعد أن قدمنا أنفسنا أدخلونا المنزل الأرضي، حيث كان يعج بالأشخاص الذين لا يزالون يقدمون التعازي للعائلة البسيطة المتكونة من أربعة ذكور وخمس بنات جلهم متزوجون، ويعد المكنى “صالح” الأكبر في الذكور، بينما شقيقته يمينة هي الأكبر في الأسرة (48 سنة) التفت العائلة حول “النهار” وبدأت والدته عريج تسعديت 68 سنة، تذرف دموعها قائلة “هل مازال حيا؟” وبدأت بإفراغ ما يختلج في صدرها مدة الـ 16 سنة.
“أخبرني أنه ذاهب لمدة 15 يوما للبحر، لكنها تحوّلت إلى 15 سنة”
ترعرع محمد صابري والذي يعد من مواليد 22 ديسمبر 1967 في حي شعبي بمنطقة بوخالفة، التي التحق منما 16 شخصا بالجبال، ويعد هو الأخير فيهم، حيث هناك من قضي عليهم وهناك من سلم نفسه، كان يعاني من مرض الكلى منذ سنة الـ 12 سنة، أجرى عملية جراحية بعيادة تيليملي، مستواه الدراسي الرابعة متوسط، اشتغل لمدة 3 سنوات ببلدية تيزي وزو كعامل في المخزن وتربص في اختصاص تقني في الفلاحة، لكنه لم يكمل تكونيه، كان وفيا لأداء صلاته منذ نعومة أظافره. وكان دائما بشوشا وكثير المزاح، حيث كان يعرف باسم “قريقش” ويعرف بحسن أخلاقه، لا يدخن، لا يشرب الخمر ولايبيت خارجا. وفي أحد الأيام الصيفية من سنة 1993 على الساعة العاشرة صباحا، عاد من عمله وكان آنذاك يبلغ من العمر 26 سنة، وبعد أن توضأ سألته: “هل أنت مريض”، ليجيبها ووجهه مصفر ويديه فوق رأسه أنه ذاهب إلى البحر “والله أعلم سأمكث 15 يوما”، علما أنه لم يودعها.
خرج ومعه كيس بلاستيكي صغير، يرجح أن يكون فيه تبان ومنشفة، وتواصل تسعديت “بعدها، تفطنت أنه لم يأخذ معه الأكل، جريت وراءه، لكنه ذهب ولم يعد والـ 15 يوما تحولت إلى 15 سنة، فعاد بعدها داخل الصندوق”. أما والده شريف، فكان لحظتها نائما، وفي حديثه لنا، هو متقاعد اشتغل لمدة 27 سنة كسائق ببلدية تيزي وزو، بحثنا عنه، لكن بدون جدوى.. وبعد مرور 15 يوما لم يعد، وبدأت العائلة بالسؤال عنه في كل المناطق الساحلية، زموري وأزفون، حيث خشيت أن يكون قد غرق في البحر، وفي اليوم الـ 29 من مغادرته، تضيف الأم “نهضت على الساعة السادسة صباحا، لتحضير فطور الصباح، فسمعت طرقا على الباب، أسرعت ظانة أن ابنها قد عاد وإذا بهم عناصر الدرك الوطني جاءوا للبحث عنه، بحيث راحت تسأل عناصر الأمن عنه عساها تجد جوابا شافيا عن صحة ابنها، خاصة وأنها أكدت لنا بأنه لا يزال على قيد الحياة حسب ما أعلمها به بعض الارهابيين التائبين، في الوقت الذي أوضحت أن ابنها منذ مغادرته المنزل لم يروه إطلاقا ولم يتصل بهم.
ذهب بدون رجعة ولما عاد جاء في صندوق
وفي اليوم الموالي للحادثة، كان يوم أحد، توجه في الصباح إخوته، مختار، إسماعيل وإبراهيم، إلى مصلحة حفظ الجثث بالمستشفى الجامعي نذير محمد، حيث تعرفوا عليه مؤكدين أن عراقيل لاستلامه قد صادفتهم لما جاءوا بجثته. في الوقت الذي أوضحوا أنهم لم يعلموا والدهم إلا بعد الظهر. مقابل ذلك، فقد أكدت والدته أن الدموع قد جفت من عينها، لكنها لم تتحكم في نفسها في تلك اللحظات، فأوضحت أنها كانت تنتظره كي يعود إلى المنزل لكي تقوم بتزويجه، غير أنه عاد إليها في صندوق. أما والده، فإنه أصبح ينام في فناء المنزل وبدأ يعد خصاله الحميدة، علما أن الوالد يعاني من مرض الضغط الدموي والسكري والمعدة جراء المعاناة، نفس الشيء بالنسبة لوالدته التي تعاني من ضغط الدم وآلام على مستوى ساقيها. وفي آخر لقائنا بالعائلة، أكدوا لنا أن محمد لم يكن سوى ضحية مجتمع، وبعد مرور 16 سنة عاد إلى عائلته في صندوق خشبي.