إعــــلانات

النميمة والغيبة .. فتنتان تنخران المنظومة الجزائرية

النميمة والغيبة .. فتنتان تنخران المنظومة الجزائرية

أضحت آفة النميمة تنتشر بشكل لافت وعلى نحو مقلق في الجزائر، وصارت تختزل معها فتنة كبرى تهدّد بنخر عمق الشخصية الجزائرية، في وقت صارت ثقافة القيل والقال تتفشى نسويا وتستشري رجاليا، ما حوّل المسألة إلى كابوس أفرز جرائم وكرّس مظالم في مجتمع صار يمنح هامشا مضاعفا للغيبة وهي “فاكهة محرّمة” تتعفنّ في مستنقع الميوعة.

اللافت في هذا التحقيق الميداني لـ “النهار أون لاين”، أنّ مناحي الحياة الجزائرية الحالية صارت موبوءة في مختلف مفاصلها بالنميمة والغيبة وتوابعهما، ولم تعود هذه “الموبقات” تقتصر على مجالس حواء، أو “قعدات” المقاهي والأسواق والحمامات ووو، بل تنامت في صالونات السياسة وردهات الرياضة وأقسام الإدارات وسائر تفصيلات الحياة العامة، ما ينبئ بخطر وبيل يتهددنا.    

يقول الباحث الجامعي “محمد بوزواوي” إنّ النميمة باتت أكثر الآفات استفحالا في مجتمعنا، فغالبا ما تكون سببا في انتشار الحقد أو الخلافات بين العائلات خاصة أنها قد تصل إلى أبواب المحاكم في ظل انتشار ظاهرة إفشاء الأسرار، التي أصبح البعض يستخدمها كسلاح يفتك من خلاله بمن يعتبره عدوا له.

وأصبح “القيل والقال” بمنظور السوسيولوجي “الطاهر دزيري” عادة محببة لدى قطاع من المواطنين المتخبطين في محاذير الفراغ والسلبية، رغم ما يترتب عنها من آثار لا يُستهان بها قد تصل إلى حدّ تدمير الأسر، وبعد أن كان من الشائع أنّ الجنس اللطيف هم أكثر من يتميزون بتلك الصفة، فإن الواقع المعاش يدلّ أن هذا الفيروس قد مسّ الجنس الخشن، في ظل استخدامها كوسيلة تحقق لهم مصالح شخصية، حتى وإن كان الثمن هو إفشاء الأسرار الشخصية من المنازل إلى أشخاص غرباء، يستغلون الموقف لمجرد إلحاق الأذى بغيرهم.

وغالبا ما تكون تلك الظاهرة منتشرة بشكل كبير في الأحياء الشعبية، أو الأماكن التي تجتمع بها النسوة، إلا أنه من المشين أن لايسلم الموتى من أحاديث الغيبة التي تكشف أسرارهم بعدما احتفظوا بها عند أقرب الناس إليهم، ولم يظنوا يوما أن من وثقوا بهم سيفشونها بعد مفارقتهم للحياة، حيث لاحظنا أن تلك الظاهرة لا تكاد تخلو منها الأماكن العمومية أو مقرات العمل، التي تجد منها صاحبات الأيادي الناعمة أو الجنس الخشن على حد سواء متعة أو وسيلة لإلحاق الأذى بمن  يكنون لهم عداوة، ويكون الدافع وراء تلك الممارسات في أغلب الأحيان الغيرة أو الحقد، اللذان يدفعان بأشخاص من عائلة واحدة إلى إفشاء أسرار أقرب الناس إليهم.

تجارب مأساوية

تقربنا من عائلات مرت بتجارب مأساوية كانت النميمة سببا في حدوثها، حيث أكدت لنا “مليكة” أنها إئتمنت أعز صديقاتها على جميع أسرارها ولم تظن يوما أنها ستخونها، وأضافت أنها تعمدت كشف جميع أسرارها لوالدتها وهو ما جعل أفراد عائلتها يتشاجرون معها ويطردونها من البيت، وحسب قولها فإنها قد تعمدت فعل هذا الأمر بسبب غيرتها الشديدة من علاقتها الطيبة مع أسرتها.

وذكرت “سليمة” أنّ النميمة كانت وسيلة ناجحة إستخدمتها إحدى صديقاتها لتدمير علاقتها الزوجية، حيث أكدت أنها كانت تريد الزواج بزميلها في العمل وقد دفعتها الغيرة إلى فضح أسرارها لزوجها، وهو ما كان سببا في تدمير أسرتها لتكتشف بعد طلاقها زواجها به واستيلائها على بيتها.

صلات رحم قُطعت وأرواح أزهقت 

تقول مراجع “النهار أون لاين” إنّ كثيرين يستخدمون النميمة لمجرد تدمير العلاقة بين عائلات متماسكة، خاصة أن إدمانهم على القيل والقال لم يمكنهم من الاستغناء عنه لمجرد أن هدفهم الوحيد من النميمة هو افتعال خلافات بينهم، فتلك الآفة لا تكاد تخلو من منازل يعيش بها أفراد من عائلة واحدة تدفع بهم الغيرة أو الإنتقام إلى إلحاق الأذى بمن يكنون لهم عداوة من أقاربهم، من خلال نقل أقاويل يتفننون في تغييرها 280 درجة من الخير إلى الشر لمجرد نشر الحقد بينهم.

ولا يضع هؤلاء بعين الاعتبار أن تصرفاتهم قد تلحق أضرارا لا يحمد عقباها بأقرب الناس إليهم، قد تصل إلى حد إرتكاب جرائم قتل في حق أشخاص لم يرتكبوا ما إتهموا به، هذا ما دفعنا لرصد آراء من مروا بتجارب مأساوية كانت النميمة سببا في حدوثها، حيث أكدت لنا إحدى الشابات أن إبنة عمتها كانت تزورها لمجرد نشر أقاويل كاذبة لعائلة زوجها، كما تقول إنها تعمدت تغيير الأحاديث بالشر لمجرد تدمير علاقتها الجيدة بهم ونيل رضاهم لتحصل على زوجها بعد طلاقها.

وكانت النميمة سببا في حدوث جرائم قتل دفعت بأحد الشباب إلى قتل أخته، بعدما قام أحد أقاربهم بنشر أقاويل كاذبة تمس شرفها، وقد علمنا بهذا الأمر من والدتها التي حدثتنا بمرارة عن النميمة التي كانت سببا في نشوب خلافات بين أقرب الناس إليها، حيث تقول إنها قطعت علاقتها بأختها بسبب أحاديث القيل والقال التي كانت تنقلها لوالدتها والتي كانت سببا في قطع صلة الرحم بين عائلتها لفترة طويلة. كما أضافت أن إبن أختها تعمد نقل أقاويل تطعن في شرف وسمعة ابنتها، بعدما رفضت الارتباط به، وتفاجأت بعدما أثيرت أقاويله على إبنها وقد رفض تصديق أخته فقام بقتلها دفاعا عن شرف العائلة، وحسب قولها فإنّ النميمة دمرت أسرتها وتسببت في قضاء إبنها حياته خلف القضبان وفقدانها لإبنتها الوحيدة ظلما.  

“تفنن” في إفشاء الأسرار 

لا تفوّت بعض النسوة سماع أسرار البيوت أو ما تخفيه جاراتهنّ من أحاديث شخصية لمجرد نشر فضائحهم، فمن بين أكثر المتضررين من تلك الآفة من يعيشون بالأحياء الشعبية، حيث علمنا من بعض قاطني حي بلكور الشعبي أن القيل والقال منتشر بشكل كبير بتلك المنطقة، خاصة أن الجيران يحاولون (التقرعيج) على ما يحدث بالمنازل بكافة الوسائل لنشر فضائح جيرانهم في الحي، حيث أكدت لنا إحدى الزوجات أنها لم تجد شخصا تفضفض له عن مشاكلها سوى إحدى الجارات التي كانت تثق بها، ولم تظن يوما أنها ستكون سببا في طلاقها من زوجها، بعد أن إستغلت غيابها عن المنزل لتنشر له جميع الأحاديث التي دارت بينهما حول المعاملة السيئة التي تتلقاها منه، كما تضيف أنها لم تصدق أنها ستستغل حصولها على تلك الأسرار لمجرد تدمير علاقتها بزوجها بعدما إنتهت بالطلاق.

وكشفت لنا إحدى الزوجات عن مرارة تجربتها، بعدما وقعت في فخ بسبب إفشاء جارتها لأسرارها حيث تقول إنها كانت تزور منزلها بمجرد سماعها لصراخها عند شجارها مع زوجها، وقد علمت أنها تنقل جميع الأحاديث التي كانت تدور في منزلها لكي تتقاضى من إحدى المشعوذات مقابل مالي على خدماتها، كما أضافت أن المشعوذة التي كانت تقصدها لحل مشاكلها كانت على دراية بكل ما يحدث في بيتها.

ولم تسلم الشابات المارات بالحي وحتى المطلقات من أحاديث القيل والقال، التي تخرج من أفواه بعض الرجال العاطلين عن العمل الذين لا يجدون ما يملؤون به فراغهم سوى الحديث عنهم بالشر، حيث اشتكت لنا إحدى الفتيات من تصرفات جارهم الغريبة، التي وصلت إلى إتهامها بأقاويل كاذبة بأنها تقيم علاقة عاطفية مع أحد زملائها في الثانوية، بالرغم من أنه كان يطلب منها مساعدته على فهم أحد التمارين، وحسب قولها فإنه كان سببا في نشوب شجار عنيف داخل منزلها بعدما شاهدها تتحدث برفقته، في حين أكدت لنا إحدى المطلقات أن هذا الشخص يراقب تحركاتها وتعمد تشويه سمعتها عبر أحاديث كاذبة تفنن في نشرها بين جيرانها بالحي، بالرغم من حرصها على الحفاظ على شرفها.

وأخبرتنا إحدى ربات البيوت الميسورات أنها وثقت بالخادمة التي تعمل لديها وظنت أنها تحفظ أسرار منزلها، لكنها اكتشفت أنها من كانت سببا في نشوب خلافات بين زوجها وعائلتها بعدما نقلت أقاويل خاطئة لهم بأن زوجها يخونها مع أخريات، كما تقول إنها اكتشفت أنها تنقل جميع الأحاديث التي تدور بمنزلها إلى جاراتها لتفضحها.

مجالس التنغيص    

أصبحت مقرات العمل وحتى الأماكن العمومية أو وسائل النقل لا تخلو من مجالس النميمة، التي تكون في أغلب الأحيان سببا في نشوب خلافات عنيفة قد تصل إلى إلحاق الأذى بالغير دون أن يرتكب ذنبا، حيث لاحظنا بعد ركوبنا بأحد الحافلات أن صاحبات الأيادي الناعمة الجالسات بالمقاعد لا يستطعن التوقف عن الكلام عن عيوب بعض الشابات المتواجدات بالحافلة، وهو ما كان سببا في نشوب خلاف بينهما، كما شاهدنا أن بعض الرجال يتحدثون عن بعض الجالسين بتلك الحافلة وهو ما تسبب في حدوث شجار عنيف بينهم، وصل إلى حد التلاكم بالأيدي وإلقاء القبض عليهم من قبل الشرطة بعد توقف الحافلة.

ويعيش أغلب العاملين بالمؤسسات تحت ضغط النميمة التي وقفت عائقا أمام مزاولة أعمالهم بشكل طبيعي، خاصة أنّ بعض الموظفين يتعمدون نقل أقاويل كاذبة عن زملائهم إلى أرباب العمل أو كشف أسرار من يعملون معهم، لمجرد طردهم من مناصبهم لكي ينالوا الرضا من مدراءهم أو استخدامها كوسيلة سهلة تمكنهم من نيل مناصب مناصب زملائهم، بعد أن يتسببوا في طردهم بدافع غيرتهم منهم، وهذا ما مرت به إحدى العاملات التي أكدت أن إحدى زميلاتها تعمدت نقل الأحاديث التي تدور مع صديقتها إلى مديرها لمجرد حدوث خلاف بينهما، وأرجعت الأمر إلى غيرتها من المعاملة الجيدة التي تتلقاها.

والمثير أنّ النميمة لا تقتصر على الجنس اللطيف فقط، بل أصبح بعض الرجال يستمتعون بممارستها في مقرات العمل ويتفننون من خلالها لمجرد إلحاق الأذى بزملائهم، حيث أكد لنا أحد العاملين أنه لم يعتقد يوما أن أحد زملائه يتعمد نقل أقاويل كاذبة لمديره، وهو ما تسبب حسب قوله في قطع عيشه وطرده ظلما من العمل، كما أشار خلال حديثه إلى أنه اكتشف الأمر بعدما أخبره صديقه أنه قد تقلد منصبه بعد خروجه مباشرة من العمل.

طعن الموتى

تعتبر الحمامات وبيوت العزاء من بين الأماكن التي تكثر فيها الاجتماعات النسائية، ففي الحمامات تستمتع النسوة بالحديث عن الأخريات وكشف ما شاهدوه من عيوب خلقية، وفي هذا الإطار قالت إحدى السيدات تفاجأنا بعدما سمعنا إحدى النساء تتحدث عن عيوب جارتها المتواجدات بالمكان لصديقتها، والغريب في الأمر أنها لم تكتف بهذا الأمر بل تعمدت إلتقاط صور لها لتفضحها بين الجيران.

وعند تنقلنا إلى أحد المنازل للقيام بواجب العزاء، تفاجأنا أن بعض النسوة لم يحترمن حرمة المكان، بل إستغلوا تواجد عدد كبير من النساء ليكشفن عن أسرار جارتهم التي فارقت الحياة ويتحدثن عنها بالشر، ولم يكتفوا بالحديث عنها في غيبتها بل أنهم لم يحترمن العزاء وكن يتحدثن عن عيوب المنزل وعن عائلة الفقيدة بالسوء.

وبالرغم من أن الدين الإسلامي جعل النميمة من المحرمات، إلا أن بعض الأشخاص أصبحوا لا يجدون أي مانع في مخالفة قيمهم الإسلامية في سبيل تحقيق مصالحهم الشخصية، أو إلحاق الأذى بمن يكنون لهم الكره دون أن يرتكبوا ذنبا، هذا ما أكده لنا الدكتور “عبد الله بن عالية” أستاذ الشريعة بجامعة الجزائر، حيث قال بهذا الصدد إن الله سبحانه وتعالى إعتبر النميمة من الكبائر نظرا للآثار السلبية التي تخلفها داخل المجتمع من نشر الضغينة والحقد بين الناس ونشر الخلافات بين الأزواج والأصدقاء وتشريد الأسر، قال الله تعالى: “ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم” كما يضيف المتحدث ذاته أن الآية تعني لا تسمع لمن يكثر الحلف وهو الكاذب الهمّاز الذي يغتاب الناس، والمشاء بنميم هو الذي يمشي بين الناس وينقل الكلام على سبيل الإفساد والتحريش.

وأضاف المتحدث ذاته أن من سلبيات النميمة أنها السبب الرئيسي في قطع صلة الرحم بين العائلات والإخوة فهي تتسبب في نشر الفتن، وكشف العيوب والأسرار الشخصية للمنازل، وقد قال رسول الله “لايدخل الجنة النمام”، وقد أرجع الدكتور سبب انتشار هذه الآفة إلى غياب الوازع الديني وضعف الإيمان لدى النمامين.

علّة تفرض علاجا 

أصبحت النميمة من بين الظواهر الإجتماعية الخطيرة، التي باتت تهدد تماسك مجتمعنا وتزرع الحقد بين الأقارب، فغالبا ما يستخدمها البعض كسلاح فتاك يدمر العلاقات الأسرية بشكل سريع، هذا ما أكدته الدكتورة “نبيلة صابونجي” الأخصائية في علم النفس الاجتماعي، حيث تقول إنّ القيل والقال ينتشر بشكل كبير لدى النساء، إلا أن نسبة قليلة من الرجال باتوا يستخدمونها لتدمير أصدقائهم بدافع تحقيق مصالح شخصية بمقرات عملهم أو إلحاق الأذى بأعدائهم.

وتضيف “صابونجي” أنّ أغلب من يعانون من تلك الأفة يشعرون بالنقص أو الفراغ، يجدون في القيل والقال ما يسد فراغهم، وحسب قولها فإن ربات البيوت والمسنات لا يجدن ما يخلصهن من الروتين اليومي فيحاولن الإهتمام بغيرهم عبر القيل والقال، كما يجد الأشخاص الذين لديهم مشاكل إجتماعية من تلك الأحاديث وسيلة للفضفضة عن المكبوتات النفسية، حيث يشعرون بالراحة بمجرد أن يجدوا من يستمع لهم، في حين تحذر الدكتورة من النميمة نظرا لتأثيرها السلبي المدمر للعلاقات الزوجية، ونشر العداوة بين الإخوة والأصدقاء، بعدما تفرض سيطرتها على الأشخاص، فتتحول إلى مرض نفسي لا يستطيعون التخلص منه فيتطور حسب قولها إلى إدمان يجد منه النمامون وسيلة يدمرون من خلالها الغير عبر إفشاء الأسرار أو تغيير الأقاويل بالكذب بدافع الإنتقام أو الحقد، في حين أشارت المتحدثة ذاتها إلى أن هناك من المرضى من يجدون متعة من خلال نشر القيل والقال، ولا يهتمون أنهم يظلمون غيرهم بأفعالهم وهمهم الوحيد هو إلحاق الأذى بحق من لم يرتكبوا ذنبا في حقهم، كما تنصح بضرورة العلاج من تلك الآفة عبر جلسات نفسية.

 

رابط دائم : https://nhar.tv/tN8Os
إعــــلانات
إعــــلانات