إعــــلانات

الطرطوسي يحرم العمليات الانتحارية وينفي “الشهادة” على منفذيها

بقلم النهار
الطرطوسي يحرم العمليات الانتحارية  وينفي “الشهادة” على منفذيها

جدد الشيخ أبو بصير الطرطوسي و اسمه الحقيقي عبد المنعم مصطفى حليمة أحد شيوخ التيار السلفي الجهادي السوري الأصل و المحسوب على قادة التيار السلفي تحريم العمليات الانتحارية على خلفية أنها تعني قتل المرء لنفسه بنفسه المحرم دينيا.

وجدد الطرطوسي في رده على سؤال نشره موقعه على الانترنت تكرر طرحه في الأسابيع الأخيرة موقفه بالقول “قلت وأقول هذه العمليات هي اقرب عندي للانتحار منها للاستشهادية وهي حرام لا تجوز”. وأضاف ان العمليات الانتحارية “تعني بالضرورة قتل المرء لنفسه بنفسه وهذا مخالف لعشرات النصوص الشرعية المحكمة في دلالتها وثبوتها التي تحرم على المرء ان يقتل نفسه بنفسه ايا كان السبب الباعث على فعل ذلك” وتابع إنه “من محاذير هذا العمل أنه في الغالب كما هو مشاهد مؤداه إلى قتل الأنفس البريئة المعصومة شرعا بغير وجه حق سواء كانت هذه الأنفس المعصومة من المسلمين أو من غيرهم وهذا محذور لا ينبغي الاستهانة به بل ينبغي الاحتراز له كثيرا فالمرء لا يزال دينه بخير ما لم يصب دما حراما”.”.
و في كلمة للشباب الذين يقومون بعمليات انتحارية ندد الشيخ الطرطوسي بما وصفه بالتغرير بهم، وقال “لا يجوز التهاون والتساهل بأعظم طاقات وكوادر الأمة وزجهم في عمل محدود متشابه غير مأمون النتائج والآثار” وأثارت هذه الفتوى جدلا كبيرا خاصة في أوساط مجندي “القاعدة” على خلفية أن منفذي العمليات الانتحارية لا يعتبرون شهداء بل منتحرون” وأنه لا شهادة لهم” .وهم من أهل الوعيد والنار و شنت العديد من المواقع القريبة من تنظيم “القاعدة” حربا على فتوى الطرطوسي التي تسقط حجج دعاة العمليات الانتحارية خاصة في الجزائر خاصة و أنه يؤكد خلو الآيات القرآنية التي يستند إليها دعاة العمليات الانتحارية من جواز هذه العمليات .

نص الفتوى : بطلان العمليات الانتحارية في البلاد المسلمة
هناك من يحتج على جواز العمليات المسماة بالاستشهادية بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً النساء:29-30.
فقالوا: مفهوم الآية أن من قتل نفسه بنفسه من غير عدوانٍ ولا ظلم فهذا لا يطاله الوعيد؛ بل له أجر .. وإنما الوعيد يطال فقط من يقتل نفسه عدواناً وظلماً .. وقد راجعنا مقالك ” محاذير العمليات الاستشهادية أو الانتحارية ” وكذلك مقالك:” مناقشة أدلة واعتراضات المخالفين حول العمليات الانتحارية “، فلم نجد جواباً يرد على هذا الفهم أو الاستدلال بجواز العمليات المسماة بالاستشهادية .. فما ردكم، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. لم نرد على هذا الفهم أو الاستدلال لأنه أضعف الأدلة على ما اختُلِف فيه، ولأنني لم أكن أتوقع أن يستدل به مخالف معتبر على القول بجواز تلك العمليات المستحدثة والمسماة بالاستشهادية أو الانتحارية .. لخلو الآيات الكريمة الوارد ذكرها أعلاه في السؤال من أي معنى يُفيد جواز تلك العمليات، أو يُعين على مثل هذا الاستدلال أو الفهم، بل هي من جملة الأدلة التي يُمكن الاستدلال بها على القول بحرمة تلك العمليات، وبيان ذلك من أوجه:
منها: أن هذا الفهم والاستدلال الوارد في السؤال أعلاه لم يقل به عالم ولا مفسر معتبر.
ومنها: أن أقوال العلماء والمفسرين دلت على خلاف هذا الفهم الوارد في السؤال أعلاه، وإليك بعض أقولهم:
قال ابن جرير الطبري في التفسير: يعني بقوله جلّ ثناؤه: وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ ولا يقتل بعضكم بعضاً, وأنتم أهل ملة واحدة, ودعوة واحدة ودين واحد فجعل جلّ ثناؤه أهل الإسلام كلهم بعضهم من بعض, وجعل القاتل منهم قتيلاً في قتله إياه منهم بمنزلة قتله نفسه, إذ كان القاتل والمقتول أهل يد واحدة على من خالف ملتهما. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.( ثم نقل نحو هذا القول عن السديّ، وعطاء بن أبي رباح ).
ثم قال: القول في تأويل قوله تعالى: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً  فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن يقتل نفسه, بمعنى: ومن يقتل أخاه المؤمن عدواناً وظلماً  فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً .
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن يفعل ما حرّمته عليه من أوّل هذه السورة إلى قوله:  وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلكَ  من نكاح من حرّمت نكاحه, وتعدّى حدوده, وأكل أموال الأيتام ظلماً, وقتل النفس المحرّم قتلها ظلما بغير حقّ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن يأكل مال أخيه المسلم ظلماً بغير طيب نفس منه وقتل أخاه المؤمن ظلماً, فسوف نصليه ناراً.
وأما قوله: عُدْوَاناً فإنه يعني به: تجاوزاً لما أباح الله له إلى ما حرّمه عليه,  وَظُلْماً  يعني: فعلاً منه ذلك بغير ما أذن الله به, وركوباً منه ما قد نهاه الله عنه. وقوله: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً  يقول: فسوف نورده نارا يصلي بها فيحترق فيها ا- هـ.
فابن جرير الطبري رحمه الله على علمه وسعة اطلاعه بأقوال المفسرين لم يشر إلى أن أحداً منهم قد ذهب إلى ما ذهب إليه المخالفون في سؤالهم.
وبنحو قول ابن جرير الطبري قال غالب المفسرين، قال ابن كثير: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ؛ أي بارتكاب محارم الله, وتعاطي معاصيه, وأكل أموالكم بينكم بالباطل  إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ؛ أي فيما أمركم به ونهاكم عنه.
 وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً ؛ أي ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه معتدياً فيه ظالماً في تعاطيه أي عالماً بتحريمه متجاسراً على انتهاكه  فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً  الآية, وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد, فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد ا- هـ.
وقال القرطبي في التفسير:” قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ؛ أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضاً ا- هـ. فهنا ينقل القرطبي إجماع أهل التفسير والتأويل على أن المراد من الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضاً؛ أي لا أحد منهم قد فهم ما فهمه المخالفون من الآية!
ثم قال: ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف. ويحتمل أن يقال: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ  في حال ضجر أو غضب؛ فهذا كله يتناول النهي. وقد احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل خوفاً على نفسه منه؛ فقرر النبي  احتجاجه وضحك عنده ولم يقل شيئاً.
 وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً ؛ والعدوان تجاوز الحد. والظلم وضع الشيء في غير موضعه، وقد تقدم. وقيد الوعيد بذكر العدوان والظلم ليخرج منه فعل السهو والغلط ا- هـ.
وقال الشوكاني في التفسير: قوله  وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ؛ أي لا يقتل بعضكم أيها المسلمون بعضاً إلا بسبب أثبته الشرع، أو لا تقتلوا أنفسكم باقتراف المعاصي أو المراد النهي عن أن يقتل الإنسان نفسه حقيقة. ولا مانع من حمل الآية على جميع المعاني.
 وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً ؛ والعدوان: تجاوز الحد. والظلم: وضع الشيء في غير موضعه … وخرج بقيد العدوان والظلم ما كان من القتل بحق كالقصاص وقتل المرتد وسائر الحدود الشرعية وكذلك قتل الخطأا- هـ.
وقال عبد الرحمن السعدي رحمه الله: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ؛ أي لا يقتل بعضكم بعضاً، ولا يقتل الإنسان نفسه. ويدخل في ذلك، الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وفعل الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك.  وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ  أي أكل الأموال بالباطل، وقتل النفوس  عُدْوَاناً وَظُلْماً  أي لا جهلاً ونسياناً  فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً ا- هـ.
ومنها: أن قيد  عُدْوَاناً وَظُلْماً  خرج بمقتضاه ـ كما تقدم من كلام المفسرين ـ من يقع في شيء من ذلك خطأ وجهلاً ونسياناً أو تنفيذاً لحدٍ من حدود الشرع كحد قتل القاتل أو قتل الكافر المرتد أو القتل الخطأ ونحو ذلك .. فهذا مستثنى بمنطوق أدلة أخرى لا يطاله الوعيد  فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً .
أقول: كذلك يُستثنى المجاهد في سبيل الله الذي يستشرف مواطن الخطر، وينغمس في صفوف العدو المحارب ـ لمصلحة راجحة ـ فيُقتل على أيديهم .. فهذا ـ لو سُمي مجازاً بأنه قاتل لنفسه على اعتبار أنه قد اقتحم أسباب الموت والقتل ـ فإنه مستثنى بمنطوق نصوص أخرى تأذن بالجهاد والانغماس في صفوف العدو لمصلحة راجحة .. لكن أدلة الجهاد والانغماس التي قد يُقتل فيها المرء بيد عدوه شيء .. وأن يَقتل المرء ـ بعملية متشابهة محفوفة بالمحاذير ـ نفسه بنفسه شيء آخر!
ومنها: أن يقتل المرء نفسه بنفسه لأي غرض كان هو ممن يقتل نفسه  عُدْوَاناً وَظُلْماً ، وبالتالي فالوعيد الوارد في الآية  فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً  وفي النصوص الأخرى المحكمة التي تحرم على المرء أن يقتل نفسه بنفسه .. يُحمل عليه، فالآية ـ كما هو ظاهر ـ دليل على ما ذهبنا إليه من القول بحرمة العمليات الانتحارية المسماة بالاستشهادية لا حظَّ فيها للمخالف.
والقائل بجواز أن يقتل المرء نفسه بنفسه لأغراض الجهاد؛ لأنه لم يفعل ذلك عُدْوَاناً وَظُلْماً، مثله مثل من يقول: للمرء أن يرابي، وأن يسرق، وأن يغدر لأغراض الجهاد؛ لأنه لم يفعل ذلك عُدْوَاناً وَظُلْماً!
فإن قيل: هذه الأمور محرمة لذاتها لا تبررها نبل الغاية…نقول:كذلك قتل المرء لنفسه بنفسه محرم لذاته لا يبرره نبل الغاية؛ فالغاية الشرعية النبيلة لا تبرر الوسيلة الباطلة.
ومنها: من محاذير العمليات الانتحارية المسماة بالاستشهادية ـ في الغالب كما هو مشاهد وحاصل، وكما تُمارَس ـ أنه يترتب عليها زهق وقتل الأنفس البريئة والمعصومة شرعاً .. ويتعدى قتل المرء لنفسه بنفسه إلى أن يقتل معه الأنفس البريئة والمعصومة شرعاً .. وبالتالي فهي معنية من النهي الوارد في قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، ويشملها الوعيد الوارد في قوله تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً.
ومنها: ليس بمثل هذا الدليل المتشابه حمال الأوجه .. تُزهَق الأنفس .. وتُبنى المسائل الخطيرة الكبيرة، وتُرد الأدلة المحكمة الصريحة الدالة على حرمة أن يقتل المرء نفسه بنفسه .. وما أكثرها.
بهذا أرد على السؤال الوارد أعلاه، والشبهة الواردة فيه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

رابط دائم : https://nhar.tv/Us2Ym