الضرب، غياب الحوار والعصبية أساليب معتمدة من طرف الأولياء…أكثر من 94٪ من الأولياء يعانون من صعوبات في تربية الأبناء
العنف الجسدي ضد الأبناء، عدم الاهتمام بانشغالاتهم وغياب لغة الحوار داخل الأسرة، أساليب قديمة اعتمدت وما زالت تعتمد عليها الأسرة ظنا منها أنها الأنجع في ردع الأبناء والتحكم فيهم وضبط سلوكهم. إلا أن هذه الأساليب لم تجدِ نفعا بل ساهمت في معاناة الأولياء أكثر فأكثر، وهو ما كشفته الدراسة التي قامت بها وزارة الأسرة، إذ أن أكثر من 94 ٪ من العائلات تعاني صعوبات كبيرة في تربية أبنائها.
أكدت آخر دراسة لوزارة الأسرة، أن أكثر من 80 ٪ من العائلات الجزائرية، ما زالت تعتمد أساليب قديمة في تربية الأبناء، من بينها العقاب الجسدي، ظنا منها أنها الطريقة المثلى لضبط سلوك الأبناء وتربيتهم تربية صحيحة، وقد وصل الأمر للأسف الشديد ببعض العائلات إلى التفنن في استعمال العقاب الجسدي ضد أبنائها إلى غاية الموت، حيث سردت علينا إحدى السيدات حادثة وقعت لجارتها بنواحي العاصمة، والتي اهتز لها سكان المنطقة، مفادها أن جارتها قامت بضرب ابنها بسبب عراكه مع أحد أبناء الجيران، ولم تكتف بالضرب، بل تطور الأمر إلى استعمالها لوسيلة أخرى للعقاب، معتقدة أنه سوف لن يعيد الكرة في المرة القادمة، إذ قامت بحك الفلفل الأخضر الحار على فمه وفي كامل منطقة الوجه، فبدأ الطفل يصرخ بكل قوة من شدة الألم، إلا أن أمه لم تكترث لأمره، ولما ازدادت حالته سوءا، خاصة بعد احمرار وجهه وانتفاخه، ولم يعد يقوى على التنفس، حينها شعرت بالفزع وانتابها الخوف على مصير ابنها، فما كان عليها إلا أن حملته وبكل سرعة إلى أقرب عيادة طبية مرفقة بإحدى جارتها، وهنا كانت المأساة الكبرى، إذ لفظ الطفل أنفاسه الأخيرة بمجرد وصوله إلى العيادة، لتبقى الأم مصدومة وحبيسة أحزانها إلى غاية اليوم، لتسببها في مقتل ابنها دون قصد منها، وهو دليل على جهل الوالدة.
التمييز بين الذكور والإناث من بين الأساليب
في الماضي كان لا يسمح بتعليم البنات كما كانت المرأة تحرم من الميراث، إلا أن التميز بين الإناث والذكور ما زال متبعا حاليا لدى بعض العائلات، فهذه العادات التي لا تمت للإسلام بصلة، ما تزال سارية وما زالت تعتمد عليها الأسرة في تنشئة الأبناء.
فالولد يستحوذ على القدر الأكبر من الاهتمام والرعاية لأنه حسب بعض الآباء، سيكون رجل العائلة في المستقبل، وحامي الأسرة والحامل لاسمها، كما أنه سيتولى مستقبلا التكفل بالعائلة، بينما البنت وبمجرد وصولها لسن معينة فسيكون مصيرها الزواج، هذا ما ذكرته لنا إحدى السيدات قائلة: “أولي اهتماما كبيرا لأبنائي الذكور مقارنة بالبنات، وهذا ليس معناه أنني أكره بناتي، بل الأولوية تكون دائما للذكور بحكم أنهم يتولون شؤون البيت ويقومون بمصالحه”.
نقطة أخرى لا تقل خطورة عن باقي النقاط الأخرى، ألا وهي التسلط الأبوي، بحيث أن العديد من الآباء يعتقدون أن الأبناء يحتاجون إلى الشدة والقوة والحزم، وبالتالي ضرورة تدريبهم وترويضهم على الطاعة باستعمال الضرب المبرح.
الحياة المعاصرة زادت من المعاناة
تعود معاناة الأسر الجزائرية إلى أسباب عدة، أفرزتها الحياة المعاصرة بتناقضاتها وتعقيداتها، من بينها المحيط الخارجي وما يترتب عنه من تأثير سلبي على الأبناء من جهة وصعوبة مراقبة الأولياء لهم من جهة أخرى، أيضا الوضع الاجتماعي المزري الذي تتخبط فيه معظم العائلات، والمتمثل خصوصا في غلاء المعيشة، الأمر الذي ساهم وبشكل كبير في عدم اهتمام الأولياء بأبنائهم وخلق فجوة كبيرة بينهما، لانشغال الآباء بأمور الحياة المعقدة.
وفي هذا الشأن تقول السيدة (فاطمة.ز) من العاصمة “نظرا لغلاء المعيشة، اضطررت للخروج إلى العمل، لأساعد زوجي في مصاريف البيت، فراتبه الشهري لا يكفي حتى لتسديد فواتير الماء، الكهرباء، والكراء ونظرا لوصولي متأخرة إلى البيت بسبب أزمة المواصلات، فإنه لا يتسنى لي الوقت لإعداد الطعام، فما بالك الاهتمام بالأطفال”. وتشاطرها الرأي صديقتها (نورة) موضحة بدورها أنه لا وقت لديها للاهتمام برعاية الأطفال، لذلك أوكلت مهمة رعاية وتربية الأبناء إلى جانب القيام بالأشغال المنزلية إلى مربية، تبقى بصحبة الأطفال طول فترة النهار إلى غاية عودة السيدة من عملها.
كما أن للإعلام دور كبير في تخريب عقول الأبناء لاسيما القنوات الغربية التي انتشرت بشكل رهيب وراحت تنشر سمومها في المجتمع كالفيروس القاتل لما تبثه من أفلام رعب وأخرى إباحية والنتيجة هي جيل يفتقد لقيم الدين الإسلامي الحنيف.
فبعض العائلات الجزائرية ولقلة وعيها وعدم إدراكها بخطورة الوضع، تجبر أطفالها على متابعة برامج غريبة خاصة الرسوم المتحركة، نظرا لشدة تعلق الأطفال بهذا النوع من البرامج ظنا منها أنها الوسيلة الأنجع لاكتساب اللغات الأجنبية، متناسية في نفس الوقت مدى تأثير مثل هذه القنوات على أبنائها.
وفي هذا الشأن، ذكرت إحدى السيدات أنها عودت ابنتها يوميا على مشاهدة الحصص التلفزيونية التي تعرض باللغة الأجنبية، فابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات، تشاهد برامج الرسوم المتحركة باللغة الفرنسية يوميا ولفترات طويلة، كما أن الحوار في البيت مع الابنة والاتصال معها يتم باللغة ذاتها، لدرجة أننا اعتقدنا أن الصغيرة مقيمة مع أسرتها بفرنسا، لسهولة وسرعة نطق اللغة الفرنسية من طرف الابنة.
تربية العصا نتائجها وخيمة والصبر مفتاح التنشئة السليمة
وأمام هذا الوضع الخطير وتفاقمه، ارتأت “النهار” أن تعرف رأي الأخصائيين النفسانيين في الموضوع والحلول الناجعة الواجب اتباعها من طرف الأولياء في تنشئة الأبناء بعيدا عن الأساليب التقليدية. وفي هذا السياق تؤكد الأخصائية النفسانية (ز.فاطمة) أن الضرب لم يكن يوما من الأيام الحل الأمثل في عملية التنشئة، لأن نتائجه معروفة ومؤكد فشلها سلفا، بينما يعد الصبر أهم خطوة في عملية التنشئة، إذ لا يمكن للطفل أن ينشأ بين ليلة وضحاها، ثم بعد ذلك يأتي دور الحوار المبني على الثقة والتفاهم، إذ علينا أن نستمع للأبناء وأن نهتم بانشغالاتهم، وأن لا نمل أبدا من تكرار النصائح لهم.
أما الأخصائية النفسانية (ب.حياة) تقول: “إن عجز الأطفال على التحصيل العلمي، وميلهم للعدوانية، الغضب، الكذب والسرقة، راجع إلى الضرب وإلى نقص الاتصال وقلة الحوار داخل الأسرة”. وعندما استفسرنا عن الأسباب التي تقف وراء غياب لغة الحوار، ردت قائلة: “إن انخفاض مستوى التعليم لدى الأبناء وانشغالهم في أمور أخرى أدى إلى غياب الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة، ناهيك عن غياب الأم طول فترة النهار بسبب عملها”.