الشيخ خالد بن تونس يؤكد “لا خروج عن الحاكم و لا كتمان للحقيقة”
الشيخ خالد بن تونس كاتب و بيداغوجي و محاضر وشيخ الطريقة العلوية ، جال العالم منذ سنين خاصة أوربا و إفريقيا و الشرق الأوسط من اجل التعريف بالطرق التقليدية للمذهب الصوفي و هو صاحب مقولة ” إذا كان الإسلام يمثل الجسد ، فالصوفية قلبه ..”
الشيخ خالد بن تونس في سطور
خالد عدلان بن تونس بن محمد المهدي ولد بمستغانم سنة 1949 و بها نشأ ينتسب إلى عائلة عريقة من اكبر العائلات المستغانمية جده الأقرب الشيخ عدة بن تونس و جده الأكبر مؤسس الطريقة العلوية ” الشيخ احمد بن مصطفى العلوي” ، ترعرع الشيخ عدلان بين أحضان الزاوية العلوية الكبرى بمستغانم و تلقى دروسه الابتدائية و علوم الدين من فقه و حديث و تصوف هذا الأخير الذي تلقاه على يد الشيخ ” محمد المهدي” كما كان يذكر بالمدارس العمومية موازاة لذلك توجه إلى أوروبا بإشارة من أبيه فانتقل إلى فرنسا و منها إلى انجلترا لينخرط في كلية الحقوق بجامعة أكسفورد ، عاد إلى فرنسا ليدخل إلى ميدان التجارة فكانت ممارستها سببا في احتكاكه بعالم أوربا المادي و الذي كان على النقيض مما تعلمه من قيم روحية تميز الزاوية العلوية ،تلك القيم التي كانت سندا له في اجتياز ذلك الاختبار الصعب. في 1975 توفي والده الشيخ محمد المهدي فعاد إلى مستغانم ليحضر مراسيم الدفن و تم مبايعته خلفا لوالده من طرف مجلس الحكماء بمستغانم . و من حينها أصبح الخليفة الرابع على رأس الطر يقة العلوية، فقام بتجديد هياكل الطريقة العلوية عبر مختلف الدول ابتداء من مستغانم، و شيد الزوايا في الجزائر و خارجها و أضاف إليها عددا من أقسام الدراسة و مكتبات المطالعة و أحيا العمل الجمعوي من خلال جمعية الشيخ العلوي للتربية و الثقافة بالجزائر، جمعية أحباب الإسلام في باريس و بروكسل، الكشافة الإسلامية بفرنسا و أخيرا جمعية أراضي أوربا بباريس كما أسس معهد ألف للإعلام الآلي كان الغرض منه إدخال الحضارة الإسلامية في الحاسوب الآلي أما في الحقل الصحفي اصدر مجلة أحباب الإسلام و منشور اللقاء، كما انه سيشارك و ينظم العديد من الملتقيات عبر العالم الغرض منها خلق حوار بناء بين مختلف الأديان و الحضارات.
شدد الشيخ خالد بن تونس المرشد الأعلى للطريقة العلوية على أن التفجيرات الانتحارية التي ينفذها نشطاء “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي “لا تؤدي إلى أية نتيجة ” و حرص على التأكيد على أنه “حتى إن وقع ظلم على الفرد فإنه لا يجب عليه أن يظلم أكثر” و دعا هؤلاء إلى عدم الخروج عن الصف و لا كتمان للحقيقة في إشارة إلى أن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم تعرضوا للظلم و التهميش و التعذيب فإنه لا مبرر لهم للقيام بعمليات إجرامية بشعة تخلف ضحايا من المدنيين و الأبرياء العزل ، كما أن العلماء ينصحون بعدم الخروج عن طاعة الحاكم مهما كان أو ينسب إليه من تجاوزات (و يذهب في اتجاه دعوة سليم الأفغاني (أبو جعفر السلفي) أمير التنظيم المسمى “جماعة حماة الدعوة السلفية” في بيان تبرئة من العمليات الانتحارية في أفريل الماضي لعدم الخروج عن الحاكم أو الرئيس ).
و لفت الشيخ خالد بن تونس الانتباه خلال استضافته في “النهار ” أول أمس إلى وجود فوضى في الأفكار و المعتقدات تسود المجتمع الجزائري وقال إن هناك “مخدرات خاصة ” منتشرة في الجزائر تثير “الروينة” ( فوضى بالعامية” ) معنويا و فكريا و أشار إلى وجود أشخاص على إطلاع اليوم ببعض أمور الدين و الدنيا يستخدمون شبابا جهلة عديمي التكوين الشرعي و محدودي الثقافة يسهل إقناعهم بأفكارهم إضافة إلى إنتشار منطق “لايجوز” و ” حرام” مع سيطرة الخوف على الجزائيين الذين أصبحوا يترددون في التعبير عن مواقفهم أو التعليق على أفعال أو تحديد وجهات نظرهم بالقول ” هؤلاء لا يخافون الله لكنهم يخافون أكثر من جهنم” قبل أن يدعو الجزائريين ليكونوا “نصوحين ” و يعرفون ما هو هذا الدين و “لا ننكر إخواننا” في إشارة إلى أنه لا يجب تكفير بعضنا و تحليل دمائهم و أعراضهم و ممتلكاتهم بل مواجهة الوضع بالتعايش و تبادل الأفكار بين مختلف معتنقي الديانات و تقبل الشيوعي و السلفي و الوهابي و الملحد و التعامل معهم “كمواطن له الحق في الكلام و الوجود ” و لاحظ أن الإنسان لا يحترم كفرد إلا إذا كان في مجموعة معينة عنصرية ، طائفية أو حزب .
و عرض الدكتور بن تونس التجربة الأندونيسية حيث يوجد 250مليون مسلم في أندونسيا “و مع لم يفرضوا الإسلام بالقوة على الأقلية المسيحية أو البوذية أو الكاثوليكية ” و إضافة إلى حرية الاعتقاد تتميز أندونيسيا بحرية التعبير و كشف أن منفذي و مخططي اعتداءات جاكارتا و بالي المحكوم عليهم بالإعدام يحضرون كل يوم جمعة في التلفزة لعرض افكارهم و تبرير عملياتهم كما أن أكبر مسجد في أندونيسيا و آسيا ككل يقع في جاكارتا ” يصلي فيه النساء و الرجال في صف واحد” مؤكدا ‘إلى أن أماكن العبادة لم تكن للمجادلة عكس طهران مثلا التي لا يذهب سكانها يوم الجمعة للصلاة في المساجد و يجلب المصلون في حافلات من خارج طهران و حاول المرشد الأعلى للطريقة العلوية التأكيد على التسامح و التعايش و تقبل الآخر “أندونيسيا أول دولة مسلمة و الدستور الاندونيسي ينص على أن الإيمان مشروط على المجتمع الأندونيسي و ليس الإسلام و الفرد له الحرية في ممارسة ديانته ” و لا يجب أن يكون الإسلام دينا وراثيا و مفروض من طرف سلطة دينية أو سياسية “أو نعيش بإكراه “.
أهل التصوف كانوا محمديين
ساسية مسادي
اعتبر الشيخ خالد بن تونس ضيف “النهار” أن فكرة تكفير المذهب الصوفي تعود إلى القرن الـ 18 حيث جاء بها محمد بن عبد الوهاب في كتابه “كتاب التوحيد” أين يصور الصوفية على أنها طرق و شعائر تحيد عن الشريعة الإسلامية و سنة الرسول -صلى الله عليه و سلم- و أضاف أن هذه الفكرة دعمت بعد ذلك برفض المذهب السلفي للطرق الصوفية لتأتي الحركة الإصلاحية التي أعادت فكرة التكفير من خلال المصلح محمد رشيد رضا ، و هو رأي وصفه المتحدث بالمتعصب الذي لا يقبل الآخر مشيرا إلى الدور الذي لعبه هذا المذهب في نشر الإسلام في إفريقيا و آسيا حيث تأوي العديد من مدن القارتين أضرحة للصوفيين يطلق عليهم ” السنن” أي “أهل السنة ” ، و كشف الضيف أن جذور العائلة العلوية المتبنية بالمذهب الصوفي موجودة حتى في آسيا و هو ما أثبتته زيارته الأخيرة إلى بورنو في اندونيسيا و تعود إلى القرن الـ 16 حين كان احد شيوخ القبيلة المكنى بـ “بن عليوى” ينتهج الطريقة الشاذلية ، هذا و أشار المتحدث إلى أن جذور العلوية تمتد إلى الأندلس التي تحتضن ضمن قراها قرية تدعى “بن عليوى” 25 كلم عن العاصمة غرناطة .و يطرح المفكر العلوي، نسبة إلى الطريقة العلوية، الصيغة الجديدة التي أصبح عليها الدين الإسلامي الذي – حسب رأيه – سلبت منه الروحانيات و أصبح فكرة شكلية تخدم أيديولوجيات سياسية ، و بالتالي فهو يرى ضرورة وجود دولة تبنى على الشريعة الإسلامية التي تنظم ولا تقهر عكس ما تقوم عليه الكثير من الحركات التي أعطت للإسلام صورة خوف و ترهيب أكثر منها صورة ترغيب . كما أشار إلى أن فكرة التسامح المبني عليها المذهب الصوفي تلقى صداها أكثر في المجتمعات الخارجية بينما يعيش المجتمع الجزائري منغلقا على نفسه بأفكار متعصبة استغرب الشيخ كيفية وجودها و الكيفية التي تكونت بها أرضيتها في هذا المجتمع الذي أخرج علماء و قادة كانت الزوايا – التي يستنكرها المذهب السلفي و الوهابي و الحركة الإصلاحية- هي مصدر تدينهم و نجاحهم .
المجتمع الجزائري مازال محروما من الحرية
سميرة.م
أكد الشيخ خالد بن تونس بأنه أصيب بالصدمة وهو يشاهد الحصة التي عرضت مؤخرا على قناة “فرانس 2″ بأنها شوهت صورة الفرد الجزائري الذي أعطى نظرة سيئة للجزائر وهذا لان الجزائري أصبح ينقصه الثقافة كما أبرزت الحصة صورة ذلك الجزائري الذي لا يعيش لمبدأ أو دين، بل هدفه في الحياة مادي و بإمكانه أن يقتل مقابل المال و سعت أن تحصر عالم الشباب الجزائري في المخدرات و أمله في الخروج من وطنه بأي ثمن كان. و أشار محدثنا إلى غياب ديمقراطية الاعتقاد في مجتمعنا على عكس ما هو موجود في كثير من الدول مثل اندونيسيا حيث أن الجزائريين لا يعيشون أحرارا سواء تعلق الأمر بالاعتقاد أو في حياتهم اليومية ، واستنكر شيخ الطريقة العلوية أسلوب الوصاية الذي يحاول البعض فرضه على الناس من خلال الدين ، وألح بن تونس على هذه النقطة إلى الدرجة التي أوشك أن يردد معها القول المأثور عن عمربن الخطاب ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”.
علينا أن نكون أئمتنا و نخرج مساجدنا من دائرة التخندق
زبير. ح
شدد الشيخ خالد بن تونس على ضرورة رعاية الأئمة بالجزائر، والتوفير الظروف المناسبة لهم للقيام بدورهم على أكمل وجه إضافة إلى تحديد منهج واضح وصريح يساعدهم على القيام بدورهم بشكل طبيعي. واعتبر الشيخ بن تونس في حديثه ل”النهار” أن الجانب التكويني بالنسبة للإمام نقطة حساسة تطرح نفسها بحدة اليوم خاصة في ظل انتشار الفتاوى و التصريحات الدينية التي قد تؤول في الأخير إلى الطائفية أو النزاعات العقيمة، ولا تعالج الأوضاع المتأزمة بل تزيد حسبه من تفاقمها. وقال بن تونس أن على الجزائر أن تاخد بيد أئمتها المتعلمين و تأطرهم على غرار ما تقوم به بعض الدول العربية المجاورة كالمغرب مثلا أو حتى الإفريقية كدولة جنوب إفريقيا، مشيرا في ذات الوقت إلى ضرورة الخروج من دائرة التخندق و التمييز بين رجل وامرأة، ليوضح الشيخ في حديثه أن جولاته عبر مختلف الدول جعلته يتفاجا من ظاهرة شاهدها في كل من المغرب وكذا جنوب إفريقيا ، وهي أن تنظم المرأة حلقات دينية في المساجد للرجال باعتبار أنها الأكثر تعلما أو دراية بأمور الدين على غيرها، مبرزا في ذلك أن على من يرتادوا المساجد أن يتجاوزوا العقد التي طغت على المجتمع الجزائري. كما تحدث الشيخ خالد بن تونس، الباحث الجزائري المعروف، عن نظرته لما تعرفه ساحة المساجد في الجزائر والتي يلزمها الكثير من التنظيم وإعادة رسكلتها بطريقة تضمن لها التخلص من أنواع التعصبات المذهبية التي تعاني منها أماكن الصلاة والعبادة عبر القطر الوطني.وقد عبر جليس “النهار” عن أمله في أن تتخطى المؤسسات الدينية في الجزائر ومن أهمها المساجد عقبة التنافس الداخلي بين من يتزعم هذه الأخيرة، ومن يتحكم بالصلوات والإمامة وغير ذلك، وان تستغل الجهة الرسمية المسؤولة عن القطاع الديني هذه المساجد في التكوين و التعليم على غرار الصلاة دون التفريق بين الأجناس أو الرؤى الفكرية، وهذا حسبه بوضع اطر معينة وحدود يجب على الجميع الامتثال لها. كما أبدى الشيخ تخوفه من حالة المزاجية التي يعيشها المواطن الجزائري وتبنيه للعديد من الأفكار الدينية دونما دراسة أو علم بها لتعود عليه في الأخير بالضرر ، وهو الأمر الحاصل كما هو جار على حد قوله هنا بالجزائر، في انتظار أن يتم تدارك ذلك ومعالجته بشكل سريع، وهذا دور الدعاة الحقيقيين والجهات المعنية بالجانب الديني في الوطن بالدرجة الأولى.
إننا نعيش ثقافة الحرام والخوف من جهنم وليس من الله..
ميلود بن عمار
ركز الأستاذ خالد بن تونس شيخ الطريقة العلوية الذي حل ضيفا على ” النهار “على أن أساس كل تغيير في العالم الإسلامي عامة ، وفي الجزائر خاصة، لا بد أن ينطلق من الفرد ، وأن أي عملية تغيير تلغي دور الفرد يكون مآلها الفشل ، وضرب الكثير من الأمثلة حول ذلك، حيث صنف بن تونس السعودية ضمن أقدم الدول التي طبقت الشريعة الإسلامية لكنها فشلت بدليل أن المرأة السعودية مثلا مازالت تناضل من أجل الحصول على الحق في الانتخاب ، إضافة إلى أن الفرد السعودي على غرار الفرد في الكثير من الشعوب الإسلامية مازال يفتقد إلى ما أسماه بن تونس ” الإسلام الباطني “، وهو الإسلام الذي نحن بحاجة إليه بحسب الأستاذ خالد بن تونس ، لأن الإسلام المفروض بالقوة والإكراه ليس له تأثير في تغيير الأوضاع . ولم يكتف ضيف ” النهار ” بالسعودية مثالا ، حيث أورد إيران أيضا للدلالة على عزوف المسلمين عن تطبيق تعاليم الدين ، وذكر كيف أن الإيرانيين أصبحوا يمارسون العبادات في البيوت مع العزوف عن أدائها في المساجد إلى درجة أن السلطات في إيران صارت تنقل الناس بالشاحنات إلى المساجد لأداء صلاة الجمعة . ورد بن تونس أسباب ذلك إلى كون المسلمين سلبوا من الإسلام الجوانب الروحية فيه ، ليصبح مجرد إيديولوجيا شكلية، ولأننا نزعنا من مفهوم التربية الإسلامية الشق الروحي ، على رأي ضيف النهار، وقع الخلل ، وأصبح إسلام اليوم يخيف ويرعب، أكثر مما يرغب ..
من أخرى تحدث خالد بن تونس ، عن الإسلام الإندونيسي، إذا صح هذا الوصف ، على اعتباره إسلاما أكثر انفتاحا وقبولا للآخر، حيث يعيش تحت سقف العائلة الواحدة، أفراد يدينون بديانات مختلفة ، كما أن أكبر مسجد في جاكرتا ، وهو يسع أكثر من مائة ألف مصل ، يصلي النساء فيه جنبا إلى جنب الرجال، وذلك دلالة واضحة بحسب ضيف النهار على التسامح الذي يعيش فيه الإندونيسيون..ودافع بن تونس بشدة على ضرورة أن ينصب الاهتمام على الجوانب الروحية للفرد ، وعلى أن يساهم في نقل صورة حسنة عن الإسلام كل فرد مهما كانت درجته الاجتماعية ، ولم يعترف شيخ الطريقة العلوية بوجود أوصياء على الدين الإسلامي ، لأن الفرد هو الذي يبني الجماعة والدولة ، بشرط أن يفسح المجال للتعددية في الفكر التي ليس لنا من حل سوى القبول بها. ولاحظ بن تونس بأننا دخلنا في ما أسماه ” ثقافة الحرام والخوف من جهنم وليس من الله ” حيث لم تعد أمام المسلم هوامش واسعة للحركة ..وختم بن تونس كلامه للنهار بإجابته عن سؤال حول دور السلطة في توجيه الفرد من خلال إشرافها على النشاط الديني، بتأكيده على دورها الحيوي داعيا إلى ضرورة أن تضطلع السلطة بهذا الدور لأن الفرد لا يستطيع وحده أن يقوم بهذه المهام ، بالرغم من أهمية الفرد كنواة للتغيير وتأسيس المجتمعات.