الشعـب يريـد إسقـاط المـعـارضــة
الناخب الجزائري ملّ من تكرار «الوجوه» خلال الرئاسيات ويبحث عن برامج جديدة وشخصيات شابة
تعكس النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية التي أعلنها وزير الداخلية، الطيب بلعيز، مساء أمس، توجهات الشارع من قلب الجزائر العميقة، وتكشف نظرة الجزائريين للمترشحين الستة الذين خطبوا أصواتهم على مدار 3 أسابيع كاملة .وبقدر ما تباينت النتائج التي أحزها كل مترشح، بقدر ما تنوعت التبريرات التي يمكن إطلاقها لتفسير أسباب بزوغ نجم هذا المترشح أو أفول نجم ذاك. فبالنسبة للمترشح الحر عبد العزيز بوتفليقة، ورغم أن فوزه بالانتخابات لم يكن بمثابة المفاجأة بالنظر الى الكثير من المعطيات التي رافقت الحملة وقبلها، فإن أهم ما أمكن ملاحظته بشأن العوامل التي دفعت الناخبين الجزائريين إلى اختياره، هو الحرص الجماعي للمحافظة على الاستقرار في بلد يعيش وسط محيط إقليمي ملغم بالحروب ومتشبع بالاحتقانات والأزمات. وقد كان لشعار الاستقرار المرفوع خلال الحملة الانتخابية للمترشح الحر الأثر البالغ في إقناع الجزائريين بالتصويت لبوتفليقة، إلى جانب كون جزء كبير من حصيلة 15 عاما من سنوات حكمه، كانت ماثلة للعيان على أرض الميدان.ولعل ما ساهم في تأكيد حظوظ بوتفليقة في الفوز بالرئاسيات، هو دخول أكثر من جهة سواء كانت أحزابا أو حركات غير قانونية، في اللعب على وتر الشارع من خلال التحريض والتجييش، في مسعى لاستنساخ ثورة شعبية بالجزائر مثلما جرى في بلدان الجوار، وهو الأمر الذي يكون قد ولد نوعا من التجند العفوي وسط الجزائريين بسبب الخوف من مواجهة مصير مجهول. فرغم أن نتائج الرئاسيات أفرزت فوز المترشح الحر عبد العزيز بوتفليقة واحتلاله المتربة الأولى مبتعدا بشكل كبير عن خصومه، إلا أن المفاجأة في الاستحقاق كانت من صنع مرشح حزب جبهة المستقبل، عبد العزيز بلعيد، الذي تمكن من الحصول على أكثر من 343 ألف صوت، أي ما نسبته 3.6 ٪ من الأصوات المعبر عنها، ليحتل بذلك المرتبة الثالثة قبل كل من لويزة حنون زعيمة حزب العمال وموسى تواتي مترشح حزب الجبهة الوطنية الجزائرية إلى جانب علي فوزي رباعين مرشح حزب عهد 54.وكان مكمن المفاجأة في أن كان عبد العزيز بلعيد هو صاحب حزب لم يكد يمضي على تأسيسه سوى سنتين ونصف، حيث أن حزب جبهة المستقبل الذي تأسس في بداية ديسمبر 2011 كان إحدى ثمار الإصلاحات السياسية التي أطلقها بوتفليقة في نفس السنة، في حين تعتبر الأحزاب الثلاثة التي يقودها كل من لويزة حنون وموسى تواتي وعلي فوزي رباعين الأقدم بالمقارنة مع تشكيلة بلعيد. ولعل ما شكل المفاجأة بالنسبة لعبد العزيز بلعيد، هو أنه تفوق على صاحبة المرتبة الثانية أو الثالثة، لويزة حنون، وهي نفسها التي كانت تقول أول أمس، إنها تتوقع الفوز بالمرتبة الثانية، قبل أن تكتشف أنها جاءت في الترتيب الرابع من حيث النتائج.ويتميز بلعيد عن غيره من المترشحين الأربعة الآخرين المنهزمين في الانتخابات، بكونه وجها جديد في الساحة السياسية، كما أنه يمثل بالنظر لسنه قطاعا واسعا من الشباب، فضل طيلة حملته الانتخابية مخاطبته بلغته واستمالته بالإضافة للمرأة.وبقراءة بسيطة في النتائج التي حققها الثلاثي حنون، تواتي ورباعين، فإن التفسير الوحيد لتراجعهم، حسبما أجمع عليه متابعون ومحللون سياسيون، هو أن المترشحين الثلاثة كرروا أنفسهم كثيرا في المشهد السياسي، فزعيمة حزب العمال ترشحت للرئاسيات 3 مرات، كانت في كل مرة فيها تكتفي بلعب أدوار ثانوية من دون أن تطمح للفوز بالانتخابات، كما أن ذهنية السواد الأعظم من الجزائريين في بعض المناطق الداخلية للبلاد ما تزال ترفض تقبل فكرة أن تحكمهم امرأة.وبالنسبة لرباعين وتواتي اللذين ترشحا للمرة الثالثة والثانية على التوالي، فإن النتائج التي حققاها وأعلنها وزير الداخلية، أمس، لم تكن بمثابة المفاجأة بالنظر لعجز المترشحَيْن عن استقطاب الجزائريين في القاعات خلال تنشطيهما للحملة الانتخابية.وبقدر ما يعكس هذا العجز عن استقطاب الناخبين محدودية الوعاء الانتخابي للمترشحَين، بقدر ما يكشف أيضا عن حالة «إفلاس سياسي» وعدم القدرة على إنتاج خطاب دعائي متجدد ومتلائم مع تطورات الوضع والمجتمع. أما بشأن المترشح الحر علي بن فليس، فإن المقارنة بين الأرقام والنسب التي حققها في رئاسيات 2004 وتلك التي حققها أول أمس، تظهر بأنه تمكن من مضاعفة وعائه الانتخابي، وهو ما قد يفسره مرافقته ودعمه من طرف أكثر من 20 حزبا سياسيا، مصنفا ضمن فئة الأحزاب الصغيرة.