الرايس.. يحلّ جهاز شرطة المخابرات
الرئيس وقّع 3 مراسيم رئاسية لإستكمال مخطط احترافية الجيش وإعادة هيكلة نظام الحكم
وقّع رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، مؤخرا، مراسيم رئاسية تم بموجبها نقل وتحويل مديريتي الإعلام وأمن الجيش التابعتين لجهاز الأمن والاستعلامات «المخابرات» لتكون تحت وصاية قيادة أركان الجيش، معززا بذلك صلاحيات رئيس أركان الجيش الفريق أحمد ڤايد صالح، بينما قرر حل مصلحة الضبطية القضائية التابعة لجهاز الأمن .جاء قرارا تحويل مديرية أمن الجيش ومديرية الإعلام التابعيتن لجهاز الأمن والاستعلامات، ووضعهما تحت وصاية قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي، مثلما كان متوقعا منذ أسابيع، حيث تم تداول معطيات تفيد بقرب وضع حد لبعض الاختلالات المسجلة بوجه خاص على مستوى مديرية الإعلام، على خلفية ما تم تسجيله على مدار الأشهر الماضية من تحامل وتجنٍ على شخص رئيس الجمهورية من طرف ضابط سابق في جهاز المخابرات، الذي تمكن في ظروف غامضة من الحصول على اعتماد لتأسيس جريدتين واحدة باللغة العربية والأخرى بالفرنسية وأكثر من 19 مليارا من المال العام. وحسب متابعين للتطورات الأخيرة، فإن المراسيم الرئاسية تهدف الى وضع حد لحالة «وجود» ما يشبه ناطقين باسم المؤسسة العسكرية، في ظل وجود منصب مكلف بالإعلام والتوجيه على مستوى وزارة الدفاع، إلى جانب وجود منصب مدير مركز الصحافة على مستوى مديرية الأمن والاستعلامات. كما أن هذا التغيير يأتي بعد الجدل الذي أثارته بعض وسائل الإعلام حول استفادة عدد من الصحف غير المعروفة في السوق من دعم خيالي من الدولة، إلى جانب إنهاء مهام «العقيد فوزي» المسؤول السابق لمديرية الصحافة على مستوى مديرية الأمن والاستعلامات. كما جاء قرار إلحاق مديرية أمن الجيش التي يشرف عليها الجنرال مهنا جبار، بقيادة الأركان، في سياق مساعي تعزيز قدرات الجيش على التحكم في المؤسسة العسكرية وتفعيل أدائها، في إطار مخطط تطوير المؤسسة العسكرية ودفعها نحو مزيد من الاحترافية، حيث أن مديرية أمن الجيش التي تعنى بمتابعة سلوك وانضباط الضباط والإطارات السامية للجيش، تعتبر مصدرا هاما لقيادة الأركان من الآن فصاعدا لتعزيز قدراتها على تحسين الأداء وتطويره، وأيضا حصر صلاحياتها في المهام الدستورية المحددة لها. وكان القرار الثالث الذي اتخذه رئيس الجمهورية بموجب مرسوم رئاسي، هو حل مصلحة الشرطة القضائية على مستوى جهاز الأمن والاستعلامات، وإلحاق منتسبيها بمصالح وزارة الدفاع الوطني، وتحديدا جهاز القضاء العسكري. وحسب متابعين، فإن قرار حل مديرية الشرطة القضائية على مستوى جهاز الأمن، يهدف أيضا إلى ترميم الصورة النمطية التي خلفتها أحداث العشرية السوداء تجاه المؤسسة العسكرية، حيث ما تزال بعض تبعات تلك المرحلة تلاحق مؤسسة الجيش، إلى اليوم. ومن شأن القرار الجديد بحل مديرية الشرطة القضائية، ونقل صلاحيات التحقيق في القضايا التي كانت تتولاها إلى جهازي الدرك الوطني والشرطة، أن يسمح لكافة المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية والمحامين بالاطلاع على ظروف احتجاز المحبوسين في قضايا تحت النظر، وهو ما يكفل انسجام مؤسسة الجيش مع القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، حيث كانت وضعية الشرطة القضائية لجهاز «المخابرات» تثير في الكثير من الأحيان مشاكل ميدانية، حيث أن أماكن الإحتجاز قيد النظر تتم في ثكنات عسكرية، وهو ما كان يضع السلطات أمام مشاكل كبيرة مع المحامين والهيئات الدولية والمحلية لحقوق الإنسان، بسبب استحالة الوصول إليهم في مثل هذه المواقع. وإن كانت القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، تؤشر بعودة قوية وغير مسبوقة إلى الساحة، فإنها أيضا تكشف أن الرجل يرغب في إعادة هندسة النظام مجددا على أسس حديثة، فأغلب القرارات التي اتخذها تنسجم تماما مع توجه مؤسسات الجيش والمخابرات في العالم وخاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، من خلال مراعاة قوانين حقوق الإنسان والاتفاقيات ذات الصلة، وتعكس هذه القرارات رغبة الرئيس في تعميم تجربة سابقة، وهي وضع مصالح المخابرات على المستوى المحلي تحت سلطة قادة أركان النواحي العسكرية، وهي التجربة التي رأى الرئيس بوتفليقة ضرورة تعميمها على المستوى المركزي لتقليص التناقضات وسيطرة قيادة أركان الجيش على مختلف مصالحها الاستعلاماتية، حيث أغلب الجيوش الحديثة تركز عمل مصالح الاستعلامات على مهمات استراتيجية واضحة ذات صلة مباشرة بالعمل العسكري، كما هو حال الجيش الفرنسي في ليبيا أو مالي أو الجيش الأمريكي في الكثير من الدول، وهو أمر أصبح ضروريا في الجزائر مع تزايد التهديدات على الحدود الشرقية، الغربية والجنوبية والوضع الإقليمي المتوتر أكثر فأكثر، وظهور مؤشرات رغبة في تعميم «الربيع العربي» إلى الجزائر. وبموجب القرارات الجديدة، فإن مؤسسة الأمن والاستعلامات «المخابرات»، ستصبح من الآن فصاعدا، مؤلفة من مديريتين، هما مديرية الأمن الداخلي ومكافحة الجوسسة ومديرية الأمن الخارجي، ما يعني أن تركيز العمل على ملفات متعلقة فقط بهذه الجوانب، من شأنه أن يعطي مزيدا من الفعالية في مواجهة مختلف التحديات الدولية والإقليمية التي فرضتها التطورات المسجلة منذ سنوات، خصوصا في منطقة شمال شمال، وعلى الحدود الشرقية والغربية للجزائر. وتمثل هذه القرارات على المستوى السياسي استكمال إبعاد الجيش عن المسار السياسي بشكل كامل، حيث أن جهاز المخابرات كان يعتبر إلى وقت قريب آخر الجسور التي تربط رجال الزي العسكري بالحياة السياسية والمدنية، وهو ما يعني أن الرئيس يرغب في أن تكون الاستحقاقات السياسية المقبلة مجردة من أي دور عسكري مهما كانت نسبته.