الرئيس تبون في حوار لمجلة “لوبوان”: “لا أفكر في عهدة ثانية.. ولن أذكر كلمة الحراك مجددا”
“في عهد العصابة كان كل شيء يتقرر داخل فيلا في بن عكنون”
“لو كان الجيش يريد السلطة لأخذها عندما طلب منه الشعب التدخل لمواجهة العصابة”
“في عام 2017، كنت متيقنا بأن الجزائر متجهة صوب الحائط إن استمرت الانزلاقات والانحرافات، وكنت متيقنا أيضا بأن ذلك الوضع يهدّد الدولة الوطنية في وجودها، وليس النظام فقط”.. بهذه العبارات لخّص رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الوضع العام الذي وجد عليه البلاد، عقب توليه السلطة بعد انتخابات 12 ديسمبر 2019.
وقال الرئيس تبون في حوار مطوّل أجرته معه مجلة “لوبوان” الفرنسية، إنه عندما طرح أمام البرلمان مخطط عمل حكومته، في أعقاب توليه مهام الوزير الأوّل، مسألة فصل المال عن السلطة والسياسة، كان يدرك تمام الإدراك الوضع الحرج الذي توجد عليه البلاد، مضيفا في توصيفه لما حدث خلال سنوات الفساد والعبث، أن “عصابة تتكون من مجموعة صغيرة ابتلعت السلطة وسيطرت عليها واستحوذت على صلاحيات الرئيس بإصدار القرارات باسمه”.
خلال مرضي هناك من توقع غرق البلاد.. لكن الجيش كان وفيا
وراح الرئيس تبون يسترسل في توصيف تلك المرحلة الحساسة من عمر البلد، فقال إن “كل شيء كان يتم إقراره من قرارات وتغييرات داخل فيلا في بن عكنون، مكان التقاء العصابة”، مضيفا بأن المؤسسات الرسمية كانت كلها شكلية، باستثناء مؤسسة الجيش، الذي تمكن من الحفاظ على مكانته، وطابعه الجمهوري.
ولدى حديثه عن مؤسسة الجيش، أثنى الرئيس تبون كثيرا على المؤسسة العسكرية وعلى شخص رئيس أركان الجيش، الفريق السعيد شنڤريحة.
وفي هذا الإطار، قال رئيس الجمهورية “خلال فترة مرضي هناك من اعتقد بأن البلد سيغرق، لكن بفضل الجيش ووفائه، وعلى رأسه رئيس الأركان، الفريق السعيد شنڤريحة، تم تجاوز تلك المرحلة”، قبل أن يضيف بأنه خلال فترة استشفائه بألمانيا، “كنت على تواصل مستمر بالهاتف كل صباح مع الفريق شنڤريحة”.
ولدى سؤاله عن إمكانية ترشحه لعهدة رئاسية ثانية، قال الرئيس تبون، إنه لا يفكر في ذلك، مشددا على أن مهمته تتمثل في “تمكين البلد من الوقوف مجددا وإعادة بناء المؤسسات وجعل الجمهورية ملكا للجميع”، قبل أن يستطرد بالقول إن عهدته الأولى لا تزال في بدايتها.
لن أستعمل مجددا كلمة “الحراك”
ولدى رده على أسئلة بشأن عمليات توقيف مسّت منتسبين لما يسمى بـ “الحراك”، قال الرئيس تبون، إنه لن يستعمل مجددا مصطلح “الحراك”، لأن الأمور تغيّرت، حسبه، مشددا على أن الحراك الوحيد الذي يؤمن به، هو “الحراك الأصيل والمبارك الذي كان عفويا وجمع ملايين الجزائريين في الشارع”.
وراح الرئيس تبون يسرد أمام مُحاوِرَيْه، كيف أنه مدّ يده للجميع بعد توليه كرسي الرئاسة، حيث قال إنه عيّن في أولى حكومة له 5 وزراء من الحراك، قال إن بعضهم كانوا يهاجمونه في المسيرات، قبل أن ينتقل إلى مرحلة إطلاق سراح الموقوفين والسجناء، حيث تم الإفراج عن قرابة 120 شخص، لكن رغم ذلك، استمر التهييج والتهجم والتحريض.
وشدّد الرئيس تبون على وجوب تفادي اعتبار جنوح السلطات للتهدئة على أنه مظهر من مظاهر الضعف وقلّة الحيلة، مضيفا بأن من لا يزالوا في المسيرات هم أقلية يريدون فرض منطقهم على الأغلبية، مشيرا إلى أن عشرة ملايين جزائري شاركوا في الانتخابات الرئاسية.
هذا هو الفرق بين الحراك الأصيل وما تبقى من مسيرات
وفي هذا الإطار، قال رئيس الجمهورية، إن “كل الجزائريين لديهم الحق في التعبير وأرفض احتكار الكلمة وممارسة الديكتاتورية من طرف أقلية”، قبل أن يضيف بالقول، إن تلك الأقلية هي التي فضّلت مقاطعة الانتخابات الرئاسية.
وراح الرئيس تبون يضرب مثالا على أن ما تشهده شوارع العاصمة من مظاهرات لبضعة آلاف، مختلف كثيرا عن المسيرات التي كانت تعجّ بها شوارع كل المدن والولايات قبل سنتين، مركزا على أن الملاحظ اليوم في “ما تبقى من حراك، هو وجود فئة من الإسلاميين ينادون بقيام دولة إسلامية، فيما يرفع آخرون شعار “لا للإسلام”، مضيفا بأن هذه المظاهر مختلفة كثيرا عما كان عليه الحراك الأصيل.
وبشأن سؤال حول تصنيف حركتي “رشاد” و”الماك” الانفصالية، منظمتين إرهابيتين، قال الرئيس تبون، إن “الحركتين قررتا مصيريهما”، موضحا أن حركة “رشاد شرعت في تجنيد وتعبئة العناصر وإعطاء التعليمات والأوامر بمواجهة مصالح الأمن والجيش”، أما حركة “الماك”، فقد “حاولت التحرك والعمل باستعمال سيارات مفخخة لتفجيرها في المسيرات”.
وأمام هذه الانحرافات والدعوات إلى العنف والتحريض عليه، قال الرئيس تبون، كان لزاما التحرك، مضيفا بالقول إن “للصبر حدود”.
هكذا سنتعامل مع الإسلاميين إن فازوا بالانتخابات
وردا على سؤال حول كيفية التعامل مع الأحزاب الإسلامية إن هي فازت بالانتخابات التشريعية، قال رئيس الجمهورية، إن “الإسلاموية كإيديولوجية التي حاولت فرض نفسها مثلما حدث في بداية التسعينات قد انتهت في الجزائر”، مضيفا بأن الإسلام السياسي الذي يعمل تحت مظلة القانون ونصوصه ويخضع له “لا يزعجنا”.
وضرب الرئيس تبون مثالا بعدة دول، منها تركيا، حيث طرح سؤالا قال فيه “هل عرقل الإسلام السياسي تطوّر تركيا؟”، لينهي رئيس الجمهورية إجابته عن السؤال بالتأكيد على أن الإسلام السياسي “لا يزعجنا ما دام يمتثل لقوانين الجمهورية وتطبّق عليه حرفيا”.
ولدى تطرقه لموضوع الجيش وعلاقته بالسياسة، قال الرئيس تبون ردا على سؤال طُرح عليه بهذا الشأن، إن “وزن الجيش الجزائري هو حقيقة إيجابية، لأنه لو لم يكن لدينا جيش احترافي وجمهوري، لكان الوضع مختلفا ولكانت الجزائر مثل سوريا أو ليبيا”.
وشدّد الرئيس تبون على أن مؤسسة الجيش الجزائري لا تمارس السياسة، مستدلا بأنه خلال بداية مسيرات الحراك، “هناك من يقدّمون أنفسهم كديمقراطيين من كانوا يطالبون الجيش بالتدخل، لكنه رفض وفضل حماية سلمية الحراك”.
وراح الرئيس يضيف متحدثا:”لو كان الجيش يرغب في السيطرة على السلطة لفعلها حينذاك، لأن ذلك كان مطلبا شعبيا”.
الرئيس تبون يكرر مقولة مشهورة للرّاحل بومدين
وخلال رده على سؤال حول العلاقة مع فرنسا وملف الذاكرة، قال الرئيس تبون، إن “الجزائريين ينتظرون اعترافا كاملا بكل جرائم الاحتلال الفرنسي”، مضيفا بأنه “في تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر، هناك ثلاث مراحل مؤلمة لنا، وهي بداية الاحتلال وما تزامن معه من قتل وتشريد طيلة أزيد من أربعين سنة، حيث أبيدت قبائل بأكملها وأُحرقت بلدات وقرى، ومقابل ذلك، تم زرع استيطان قام على تجريد الجزائريين من ممتلكاتهم وأراضيهم ومنحها للكولون، ثم مرحلة مجازر 8 ماي 1945 وما خلفته من ضحايا تجاوزوا 45 ألف قتيل، وأخيرا مرحلة حرب التحرير”.
وعاد الرئيس في حديثه عن الموضوع، إلى الجملة الشهيرة التي قالها الرئيس الرّاحل هواري بومدين لنظيره الفرنسي، جيسيكار ديستان، “نحن نريد قلب الصفحة، لكن لن نمزقها أبدا”، ليضيف الرئيس تبون بالقول إنه لتحقيق هذا الأمر، ينبغي القيام بأفعال.
وعن سؤال حول إمكانية لجوء الجزائر لطلب تعويضات من فرنسا على تجاربها النووية، قال الرئيس تبون إن الجزائريين، شعبا وسلطة، يقدّرون ويبجلون شهداءهم ويُعلون من قيمتهم، مضيفا بالقول “نحن لسنا شعبا متسولا.. نحن نطلب من فرنسا تطهير المواقع النووية ومعالجة ضحايا تلك التجارب، لأن نتائجها لا تزال إلى اليوم تُخلّف ضحايا”.
فرنسا وبلجيكا وغيرها تجنبت حدوث مآسٍ بفضل خبرة الجزائر في مكافحة الإرهاب
ولدى حديثه عن تجربة الجزائر في مكافحة الإرهاب، كشف رئيس الجمهورية عن تفاصيل تُذكر لأول مرة، من دون الغوص في الأسرار، عندما راح يتحدث عن دور الجزائر الدولي في مكافحة الإرهاب.
وكان الرئيس تبون يردّ على سؤال حول الأمر الذي يمكن أن تستفيد منه فرنسا من تجربة الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب، حيث راح الرئيس يكشف عن تمكن الجزائر بفضل مصالح أمنها، من تجنيب فرنسا وبلجيكا ودول أخرى مآسٍ، قبل أن يستطرد بالقول إنه “يفضل إبقاء هذه العمليات سرية”.
أما بشأن العلاقات مع نظام “المخزن” المغربي، فقد كان حديث الرئيس تبون ورده على أسئلة الصحافيين واضحا وصريحا، كعادته، حيث راح يكشف كيف كان نظام “المخزن” على الدوام، سبّاقا إلى التهجم على الجزائر واستفزازها، مشددا على أن الجزائريين لا يعتدون على الإطلاق على جيرانهم، و”الجزائر ترد فقط على أيّ عدوان، رغم أننا متيقنون بأن الطرف الآخر لا يمكن القيام بأيّ عدوان بسبب اختلال موازين القوى”.
لن نفتح الحدود مع المغرب ولا تطبيع مع الصهاينة
وبشأن سؤال حول فتح الحدود البرية مع المغرب، ردّ الرئيس تبون بلغة حازمة وجازمة، وأكد أنه “لا يمكن فتح الحدود مع جارٍ يقوم باستفزازك والتهجم عليك يوميا”.
وأعاد رئيس الجمهورية تكرار موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية ومسار بعض الدول العربية في التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، حيث قال إن “كل بلد حر في ما يفعله، لكن الجزائر لن تطبّع أبدا مع الكيان الصهيوني ولن تفعله ما دامت لا توجد هناك دولة فلسطينية”.