الحلقة12:
كريمة، لم تكن متعصبة، لم تحقد على والدها، كما لم تحقد على والدتها، التي وجدت لها أعذارا كافية، تتخذها أي أمّ كمبرر للحفاظ على ابنتها.
… كان الخوف من أن تتركها وتنزل إلى الوطن، سببا وجيها كي تخفي عنها الحقيقة…
لطالما شعرت والدتها بتأنيب الضمير اتجاهها واتجاه والدها، خاصة في سنوات الدم التي عاشتها البلاد، والتي كانت تحصد يوميا العشرات من الأبرياء، في كل يوم تقول في نفسها، قد يكون “سيد أحمد” ضحية الاغتيالات أو المجازر، قد يموت وهو لا يعرف أي شيء عن ابنته…
تربت رفقة إخوتها من والدتها، وزوج والدتها، أستاذ في علم النفس، كان متفهما للوضع، تكفل هو برعاية الأولاد إلى حين عودتها وأمها من الجزائر…
قضى “سيد أحمد” في فترة وجودها أسابيع من الفرح أعادته إلى شبابه، الذي مر عليه دون أن يحس به..
والبيت الذي ظل لسنوات مغلقا على صاحبه لا يدخله إلا ضوء الشمس فتح بابه للغائب وتغيرت ملامحه واكتست جدرانه بألواح الماضي وألواح الحاضر التي رسمتها ريشة ابنته اليافعة…
في كل نهاية أسبوع كان له موعد معها، يأخذها معه إلى كل الأماكن التي كان يتردد عليها وحيدا، حتى إلى حديقة الحيوانات وحديقة التسلية، والأماكن التي حرم من ارتيادها مثل كل الآباء رفقة أبنائهم…
ومع ذلك لم ينس “سارة”، صاحبة الفضل الأول في أن تتسرب إلى حياته بعضا من سعادته التي اكتملت بعثوره على ابنته…
تعلقه بها يزداد، يتشاركان الحزن والفرح نفسه، ظل يكلمها وتكلمه، بما أنه لم يعد يراها نظرا لعطلة الصيف، لم تكن بالنسبة إليه مجرد ملاذ أو ملجأ يهرب إليه بل كانت محطة مهمة في حياته، كان لابد أن يمر عليها وهو كان كذلك بالنسبة إليها.
وبعد مدة تغيرت في طريقة حديثها معه، وجد نفسه دائما يتصل بها وهي تتهرب من مكالماته وفي كل مرة تتحجج بسبب ما.
ظن أنها ربما قد تراجعت عن هذه العلاقة…
وهي كانت مشغولة بإجراءات السفر، وبعد أن أتمت كل شيء اتصلت به وطلبت مقابلته…