الجميل في كل مكان وزمان.. ولكن
للجيل القديم من آبائنا وأجدادنا ميزات يختصون بها، وهي في الأصل مجموعة من الجواهر، يحق لنا أن نفتخر بها، وعلى الرغم من أن الدارسين والباحثين الاجتماعيين يؤاخذونهم عن بعض الخصال والتصرفات، إلا أنه من جهة لا ينفون أسباب تواجد هذه العلامات أو تلك، كالجهل والعصبية.
وفي بعض المرات، العنف ضد الأبناء والتعمد على تذليل المرأة، وعدم تطوير ذواتهم ومبانيهم وبعض الوسائل التي يستعملونها للعيش، معيدين كل هذا إلى الجهل المُسلط وعدم التعلم الذي فرضته عوامل قيصرية أولها الاستعمار الغاشم الذي نكّل بهم وجعل يومياتهم تتخبط في قلة الحاجة والحضيض المبرح.
لكن وعلى الرغم من كل هذه الانتكاسات، تميزوا بأشياء نادرا ما تصادفها عند أجيال جاءت وعاشت بعدهم، فكثير من الأحفاد وقليل من الأبناء ممن لم يحافظوا على نفس النهج وأساليب الحياة والتعامل، لكن ما الذي يمكننا وصف به هذه الأجيال الحديثة ممن يُنعتون بجيل «الواي واي»؟!.
إن أولئك القدماء ظلوا يتميزون بالوفاء بالعهد وأصحاب كلمة كما يقال شعبيا، وغالبيتهم يمقتون الكذب والتعامل بالحيل أو بالنوايا السيئة، وقصة الوفاء هذه طويلة وعريضة، لأنها تنعكس على عدة مجالات من يومياتهم، كالوفاء في تسديد الديون والوفاء مع المرأة، أي البقاء مع الزوجة الوحيدة حتى وفاتها، وعدم النظر نحو امرأة أخرى مهما كان حجم تأثيرها من محاسن ومفاتن.
بعكس ممن جاء بعدهم الذين غرقوا وتمادوا في الخيانات الزوجية، سواء من جهة الرجل أو المرأة، وكذلك الوفاء في ضبط المواقيت، حيث كلما سمعت منهم إبراما لموعد، حتى وجدتهم صادقين في أقوالهم.
ناهيك عن خصال أخرى أهمها احترام المتكلم وعدم التسرع في إطلاق الأحكام، عكس تصرفات نماذج من هذا الجيل، والذين غالبا ما تلاحظهم متهافتين، يتكلمون أكثر مما يستمعون، ولا يحترمون الأكبر منهم سنا، والدليل ما نشاهده في المؤسسات التربوية بمختلف مراحلها.
من جهة أخرى، لو دققت في أقوالهم وفي مجال العلاقات الغرامية مثلا، تجد أن للواحد منهم عشرون علاقة مع الطرف الآخر، والنتيجة في الأخير أصفار على أصفار، زيادة على أنهم ينظرون إلى الجنس اللطيف على أنه مجرد جسد أو سلعة تباع في السوق لا أكثر ولا أقل، ولا يحترمون أو يضعون شارات حدودية ومتأنية للقصص أو الحالات التي تدعو إلى الاستقرار في الحياة العاطفية، بل هم منقلبون يقفزون كالفراشات من مكان إلى آخر.
وهو ما جلب لهم عدة صفات سلبية، أولها التسرع والتدخلات غير الموفقة.. وحتى لا يطول بنا المقام هنا لسرد عدد من الأمثلة، فالنتيجة التي يمكن استخلاصها هي مجموعة من الأسئلة ليس إلا، لأنه من الأكيد المؤكد لوجود جيل من هذا القبيل، أسباب ومسببات عدة.
فهل هو التطور المادي والآلي والرقمي الذي نعيش بين جنباته، وكثرة المغريات والمتطلبات هي من أفرزت نوعية من الأفراد يتخبطون بين وابل من التناقضات والتناطح المطلق في القول والفعل، وبين الأمنيات والأحلام وبين الواقع والحقيقة المُعاشة؟!.
إنها بلا شك الإجابات التي يمكن الأخذ بها وترشيحها كي تضحى هي التفسيرات الموضوعية والمقنعة لمجموع من الإشكاليات التي لا بد من التنبه لها اليوم أفضل من غد، لعل وعسى تنجلي أمام ناظرينا بعضا من الحلول والمفاتيح للخروج من النفق المظلم الذي لم يعد دامسا فقط، بل مقززا ومرعبا وقاتلا، ليس فقط للقيم الاجتماعية المتوارثة بل لكل الإنسانية.
لأنه جيل لا يُرجى منه شيئا صراحة ما دام يتصرف ويفكر بهذه الطرق والكيفيات، وهذا تحليل ليس بالمطلق، أو أن الجميع يجب وضعهم في سلة واحدة، فهناك دائما الجميل في كل زمان ومكان، لكنه للأسف قليل جدا ولا يمثل إلا نسبة 20 من المئة أو ربما أقل.
المطلوب أن تنفض هذه الأجيال المتعاقبة الغبار على نفسها حتى لا تُتهم اتهاما مباشرا بأنها السبب الرئيسي في وجود أزمة أخلاقية، وأنها معاقة فكريا وعاجزة عن صنع حضارتها بنفسها.