الانشغال بأحوال الناس.. مرض انتقل من الفرد إلى المجتمع !
ليعلم اليوم شبابنا الكرام، بأن ظاهرة الفضول ليست مقتصرة على الجزائر كبلد عربي وإفريقي وحسب، والتي تعني في جوهرها الاهتمام بالغير من عدة نواحي، خاصة حول المكاسب المادية أو الشكلية الظاهرة كاللباس والسيارات والبنايات.
وقد أعاد بعض الباحثين الأنثروبولوجيين سبب تواجد الفضول والانشغال بالغير إلى الحرمان، خاصة إذا كانت هناك فوارق اجتماعية بارزة للعيان، فالفرد الذي يشعر بأنه محروم من هذه الميزة أو تلك، فإنه بلا شك يصبح فريسة سهلة لهذه الظاهرة، التي تعني في الشكل الفضول والاهتمام، وفي الجوهر تعني الحسد والعين.
والأكيد أن هناك فرق شاسع بينهما، لأن الثاني أخطر من الأول، والأول أقل ضررا من الثاني، بدليل أن البعض يقول لك «إهتم بي ولا تحسدني»، أتذكر مرة أنني أعددت «ريبورتاج» في إحدى المدن الداخلية، القصد منه معرفة وتبيان الأسباب الواقعية والموضوعية لوجود مثل هذه الظاهرة السلبية.
والغريب أن الجميع تراوحت إجاباتهم ودارت وألصقت جل التهم بمصطلح الفراغ، والأكيد بأن الحقيقة غير ذلك، بيد أن كثيرا من المجتمعات الأوروبية وحتى وسط الأمريكيتين يعاني شبابها من الفراغ إلى درجة الخواء الروحي.
وهذا موضوع آخر ـ فقط المسألة تتعلق بقناعات وحجم الثقافة المتوفرة لدى الفرد، والتي يحملها في زاده، لأن إجابات الجميع ذهبت إلى أن الفضول لا يوجد في المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية، بل أقل بكثير مما يوجد في الجزائر العميقة، لأن هناك نشاطا وحركية اقتصادية دائمتين.
الجميع فيها منشغلون بأعمالهم وهمومهم ولا وقت لديهم لأن يهتم أحد بالآخر، بينما هي موجودة في البلديات والأرياف الشبيهة بالمداشر والقرى المعزولة.
خاصة إذا انفرد الواحد وتميز بشيء ما، وقد قال أحد الباحثين إن علاج هذه الظاهرة غير ممكن ما دامت أوضاع وأشكال هذه القرى بهذه الكيفيات والانسياق، ودليلهم أن فردا ما لو انتقل وهجر مدينته الصغيرة نحو مدن وعواصم كبرى، انقرض وانتزع منه هذا السلوك وبارحه إلى غير رجعة.
هي إذا مشكلة الإنسان مع أخيه الإنسان، ولا يمكن التخلص منها إلا بوجود مجتمعات محكمة من جميع النواحي، اقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا ودينيا، وهذا قلّما تجده في ظل غياب الطبقة الوسطى ورواج ثنائية ثراء البعض الفاحش وفقر الآخر المدقع، مما تسبب في ظهور تناطحات.
وأسوأ مما تتوقعه من سرقات وسطو وكذب وتمويه وإقصاء وإحباط، وكذلك من فضول يأتي في الدرجة الدنيا، لأنه ظاهرة ثقافية فكرية لها علاقة مباشرة بالتفكير ولا تأثير بليغ لها، لأنها ثانوية مقارنة بجرائم أخرى متنوعة مكشوفة ومهدمة، بل قاتلة وحاصدة للقيم وحتى الأرواح.
زيادة أن الفضول أنواع ودرجات، ففيه المقبول نسبيا، كالفضول المعرفي وفضول البحث عن حقائق الأشياء، لأن نتيجته هادفة ومفيدة للنفس والجميع، وهناك الفضول السيء المقيت الذي يقلق الشخص المستهدف.
بينما في حالات أخرى، هناك من يحبذ هذا الفضول على نفسه، لأنه يرى في نفسه محل اهتمام وتأثير بالغين، لذلك يتعمد في خلق واستحضار ما يمكن أن يلفت انتباه الجميع.
وفي جميع الحالات، فإن الاهتمام الزائد بالأشياء والمواقف وكثرة الحديث عنها، يجعل الآخر محل غتبة وهذا ما لا يتفق مع مبادئنا الإسلامية.