إعــــلانات

الانتحاري عبد الله الشعياني الذي استهدف مركز الشرطة بالناصرية

الانتحاري عبد الله الشعياني الذي استهدف مركز الشرطة بالناصرية

على بعد ما يزيد عن 20 كيلومترا عن بلدية دلس، توجد بلدية أعفير، حيث يقع دوار الشعاينة. هذه المنطقة النائية التي وصلنا إليها بعد أن صارعنا المرتفعات والمنخفضات، وأرهقنا طول الطريق.

الأم فاطمة الزهراء: إني أتبرأ من التحاقه بالجماعات الإرهابية، ولم أحنّ إليه ولا أريده
الوالد محمد: ابني غرّر به خاله وأقنعه بالعمل المسلح منذ 1998.. لقد مرّغ وجهي في التراب

سألنا عن منزل كمال موهون، المدعو “عبد الله الشعياني”، الانتحاري الذي استهدف مقرا للشرطة بمنطقة الناصرية، وهو شاب من مواليد 1978 بمنطقة الشعاينة، معوق حركيا بنسبة 70 بالمائة، عقب إصابته أثناء عملية تمشيط للجيش الوطني الشعبي استهدفت مواقع كتيبة الأنصار التابعة للمنطقة الثانية، التي كان ينشط في صفوفها بعد تعرضه لغسيل مخ، وإقناعه بضرورة تفجير نفسه، خاصة وأنه لم يعد يقوى على تقديم ما تطلبه منه الكتيبة، على اعتبار أنه معوق، وبالفعل تمكنت من التخلص منه ومن متاعب نقله في حالة شن قوات الأمن لحملات مداهمة للقضاء على بقايا رؤوس الإرهاب بالمنطقة.

“كمال” غرر به خاله وأخذه إلى الجبل في سنّ مبكرة
وصلنا إلى الشعاينة، ولدى الباب وجدنا شابا في مقتبل العمر يحمل حزمة كبيرة من الحطب على ظهره، سألناه عن عائلة “موهون كمال”، فأجاب بابتسامة باردة - أحسسنا بأنه يعلم بمصير أخيه ويترقب وصولنا – ورغم عزلة المكان وصعوبته، شعرنا بالاطمئنان بعد أن دخلنا المنزل وتحدثنا إلى الوالد، السيد موهون محمد، من مواليد 1945، ووجدناه، والمنشار بيده، يعمل على قطع بعض الأغصان من شجرة بالقرب من المنزل الريفي المتواضع، قصد استعمالها للتدفئة، يضع المنشار من يده، ويشعل سيجارة، ليسألنا: ماذا.. كمال أيضا؟ أول أمس – أي يوم الأربعاء – جاء الشرطة واقتادوني إلى العاصمة، في الحقيقة أنا لا أعرف العاصمة، ولم أزرها مطلقا، كان لي صديق ببئر خادم، ولكنني لم أزره منذ زمن بعيد، كما أنني أميٌّ ولا أجيد القراءة، لقد أجروا لي بعض التحاليل، ثم أحضر ابني الأكبر والدتها وأجروا لها التحاليل نفسها… يفتح الوالد فمه ويشير إلى تحت لسانه : أخذوا عينة من هذا، فأدركنا أنه يقصد تحليل الحمض النووي  الـ”آ دي آن”.
ويواصل السيد محمد الحديث.. التحاق ابني بالعمل المسلح كان غدرا به، لقد غرّر به خاله الذي التحق بالجماعات المسلحة وأقنعه بضرورة اتباع دربه.

لم نكن نعرف مكانه منذ 1998

كمال، أو عبد الله الشعياني، درس في الابتدائية التابعة للدوار، غير أنه تم طرده في 14 سنة من العمر، لأنه لم يكن يجيد الدراسة، بعد أن رسب في الانتقال من السنة السادسة ابتدائي إلى المتوسط، وواصل حياته بصورة طبيعية، إلى أن بلغ سن الـ18 حيث التحق بمنزل أخواله ببن شود، بدلس، حيث اشتغل بالفلاحة في العنب والبطيخ… لمدة سنتين، من 1996 إلى 1998، وبعدها عاود الالتحاق بالمنزل سنة 1998، ولم يمض على عودته أسبوع حتى اختفى عن الأنظار وانقطعت أخباره، منذ 9 أوت 1998. هناك من يقول بأنه التحق بالغابة، يضيف الوالد، وهناك من يقول بأنه في السجن، وإلى غاية يومنا هذا لم نسمع عنه أي خبر، الأرجح أنه التحق بالجبل بعد التحاق خاله، 33 سنة، الذي توفي بعد سنة من الالتحاق بالجماعات الإرهابية.
لقد أبلغت الدرك الوطني بغيابه فور اختفائه، وقصدت مقرهم الكائن بدلس لما يزيد عن 5 مرات، إلى أن تعبت، وسلمت أمري إلى الله – يقول الوالد في حالة نفسية صعبة، شاحب الوجه ممزق الثياب – وجد في استناده على جذع شجرة وهو يتحدث راحة له. سألناه بعفوية: هل يمكن أن يختفي ابنكم دون أن يسأل عنكم؟ فرد بعفوية مماثلة: ولم لا.. لقد استطاع أن يبيعنا بالرخيص، ثم إنني لو رأيته لما أنكرت، هذا شيء لا يمكن أن يخفى، ثم سألناه: كم كان عمره آنذاك وهل ترى أن ما قام به صحيح؟ فقال الوالد: لقد كان صغيرا، لقد غرّر به، ولو كان ما قام به نافعا أو على حق لالتحقت أنا، ولكنها مغالطات وأكاذيب لجذب الجهلة إلى طريق لا نهاية له، أو نهايته الموت المحقق، لقد جاء الأمن ليبحث عنه أياما قبل العيد، ولكن لا ندري لماذا، ربما ألقوا عليه القبض.

لا تشرفنا عودته ولا نقبلها لأن التحاقه بالجبل جريمة
لقد أصبت بمرض عصبي بسببه ولن أسامحه، مرغ وجهي في التراب بفعلته هذه. أتعلمون أنه منذ أن التحق بالجبل لا أستطيع حتى مجالسة الناس بسببه، أتمنى له الموت أفضل من “التبهديل اللي دارهولي”، يضيف الوالد بنبرة غضب حادة. كان لي 12 طفلا، توفي اثنان، والبقية أربيهم بعرقي، 5 ذكور و5 فتيات، أما هو فقد تمرد، حتى وإن أراد الرجوع إلى المنزل فلن أقبله، سأسلمه بيدي للشرطة ليلقى جزاءه الذي يستحقه. يتوقف عن الكلام لحظة ويشعل سيجارة أخرى، ثم يسترسل مجددا.. ليتني بقيت في فرنسا، لكان أفضل لي وللجميع. سبب عودتي هو مرض أبي الذي أصيب بخلل عقلي، لقد ذهبت إلى فرنسا مباشرة بعد الاستقلال 1963 وعدت سنة 1979 لألقى ما ألقى. هنا يتدخل الابن رشيد ويقول: “كمال كان شابا عاديا ويتصرف بطريقة عادية إلى أن التحق بأخوالي، وتغيرت معاملته. المشكل أنه كان غير واع بما يفعل، إلى أن غادر نهائيا بلا رجعة”. توجهنا إلى الوالدة فاطمة الزهراء، تخرج من الزقاق في ثياب رثة، وتسبق أسئلتنا قائلة: ماذا؟ هل من خبر عن كمال، “لوكان غير مات لو كان رانا تهنينا”. ربيته مثل إخوته ولكنه انحاز عن مبادئنا منذ أن التحق بإخوتي. أتعلمين لا يمكن لإنسان أن يضمن شيئا ولا يمكن أن تقولي بأنني ربيت أو تعبت؛ لأنه لا احد يقدّر. تسكت قليلا لنتدخل: هل اشتقت إليه؟ “من نهار راح ما شفتوش وما نتوحشوش”؛ لأن المكان الذي قصده لا يشرفنا. وتضيف الوالدة التي كانت تتحدث العربية بصعوبة، على اعتبار أنها تجيد الأمازيغية، “نحن لا نريده؛ لأن التحاقه بالجبل جريمة”. هنا يتدخل الأب مجددا، إنه عبد شرور – يعني فيه الشر – ولا يمكن أن يشفع لنا، ما أريد أن اعرفه هو لماذا اقتادتنا الشرطة، إن كان لديهم الجديد يخبروننا به، على الأقل لنرتاح من عذاب الانتظار والتنبؤ الذي لا يخدم أحدا. وبدا جليا من حديث مختلف أعضاء العائلة أنهم لا يعلمون بأنه الانتحاري الذي استهدف مقر الشرطة ببلدية الناصرية. إننا ننتظر النتائج؛ لأن الشرطة أوضحت لنا أنها ستكون اليوم – السبت – وبعدها سنعرف الأسباب التي جلبنا لأجلها، يقول الوالد. وفي هذه اللحظات يدخل الابن عمر، أصغر الأبناء، يخبر والده بأن أعوان الأمن يريدونه، يغادرنا الوالد ونترك الوالدة التي تحدثت إلينا بصعوبة لعدم إتقانها العربية. حاولنا تقصي بعض الحقائق من أخيه الأصغر عمر: منذ متى لم تر كمال؟ منذ زمن بعيد، لقد كنت أرعى في الوادي وكنت صغيرا في السن عندما سمعت أنه التحق بالجماعات المسلحة، كلنا لا ندري أين هو. 

رابط دائم : https://nhar.tv/4mfLa