إعــــلانات

الإحسان للجار والإحسان في التجارة

الإحسان للجار والإحسان في التجارة

قال صلى الله عليه وسلم: “رحم الله سهل البيع وسهل الشِّراء”

إن من أوجه الإحسان الذي أمرنا به ديننا الحنيف، الإحسان إلى الجار، فعن أبي شُريح الخُزاعي أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت”.

وإكرام الجار يكون بالإحسان إليه وكف الأذى عنه وتحمل ما يصدر منه والبِّشر في وجهه، وغير ذلك من وجوه الإكرام، وأما الإحْسَان إلى اليتامى والمساكين فوجه آخر من أوجه الإحسان التي تحثنا على ضرورة المحافظة على حقوقهم والقيام بتربيتهم والعطف عليهم ومدُّ يد العون لهم، كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُعْرِضُونَ) البقرة: 83.

فالإحْسَان إليهم والبرَّ بهم وكفالة عيشهم وصيانة مستقبلهم مِن أزكى القربات، بل إنَّ العواطف المنحرفة تعتدل في هذا المسلك وتلزم الجادَّة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنَّ رجلًا شكا إلى رسول الله قسوة قلبه، فقال: “امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين”، وفي رواية: أنَّ رجلًا جاءه يشكو قسوة قلبه، فقال له صلى الله عليه وسلم: “أتحبُّ أن يلين قلبك وتدرك حاجتك، إرحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه مِن طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك”.  والقلب يتبلَّد في المجتمعات التي تضجُّ بالمرح الدَّائم، والتي تصبح وتمسي وهي لا ترى مِن الحياة غير آفاقها الزَّاهرة ونعمها الباهرة، والمترفون إنَّما يتنكَّرون لآلام الجماهير؛ لأنَّ الملذَّات -التي تُيَسَّر لهم- تُغلِّف أفئدتهم وتطمس بصائرهم، فلا تجعلهم يشعرون بحاجة المحتاج وألم المتألِّم وحزن المحزون، والنَّاس إنَّما يُرْزَقون الأفئدة النَّبيلة والمشاعر المرهفة عندما ينقلبون في أحوال الحياة المختلفة، ويُبْلَون مسَّ السَّرَّاء والضَّرَّاء .. عندئذ يحسُّون بالوحشة مع اليتيم وبالفقدان مع الثَّكلى وبالتعب مع البائس الفقير.

الإحسان في المعاملات التجارية 

وقد أمر الله تعالى بالعدل والإحْسَان جميعًا، والعدل سبب النَّجاة فقط، وهو يجري من التِّجارة مجرى سلامة رأس المال، والإحْسَان سبب الفوز ونيل السَّعادة، وهو يجري من التِّجارة مجرى الرِّبح، ولا يُعدُّ مِن العقلاء مَن قنع في معاملات الدُّنْيا برأس ماله، فكذا في معاملات الآخرة.

ولا ينبغي للمتديِّن أن يقتصر على العدل واجتناب الظُّلم ويدع أبواب الإحْسَان وقد قال الله تعالى: (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) القصص: 77، وقال عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) النَّحل: 90، وقال سبحانه: (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف: 56، وينال المعامل رتبة الإحْسَان بواحدٍ مِن ستَّة أمور. فالأوَّل: في المغابنة، إذ ينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة، فأمَّا أصل المغابنة فمأذونٌ فيه، لأنَّ البيع للرِّبح ولا يمكن ذلك إلَّا بغبن، ولكن يراعى فيه التَّقريب، ومَن قنع بربحٍ قليلٍ كثرت معاملاته واستفاد مِن تكرارها ربحًا كثيرًا، وبه تظهر البركة.

والثَّاني: في احتمال الغبن، والمشتري إن اشترى طعامًا مِن ضعيف أو شيئًا مِن فقير فلا بأس أن يحتمل الغبن ويتساهل، ويكون به محسنًا وداخلًا في قوله عليه السَّلام: “رحم الله سهل البيع وسهل الشِّراء”، وأما احتمال الغبن مِن الغني فليس محمودًا، بل هو تضييع مال مِن غير أجر ولا حمد، وكان كثيرٌ مِن السَّلف يستقصون في الشِّراء، ويهبون مِن ذلك الجزيل مِن المال، فقيل لبعضهم في ذلك فقال: إنَّ الواهب يعطي فضله، وإنَّ المغبون يغبن عقله.

والثَّالث: في استيفاء الثَّمن وسائر الدُّيون والإحْسَان فيه مرَّة بالمسامحة وحطِّ البعض، ومرَّة بالإمهال والتَّأخير، ومرَّة بالمساهلة في طلب جودة النَّقد، وكلُّ ذلك مندوبٌ إليه ومحثوثٌ عليه.

والرَّابع: في توفية الدَّين، إذ مِن الإحْسَان فيه حسن القضاء، وذلك بأن يمشي إلى صاحب الحقِّ ولا يكلِّفه أن يمشي إليه فيتقاضاه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم أحسنكم قضاءً)، فمهما قدر على قضاء الدَّين فليبادر إليه ولو قبل وقته.  

رابط دائم : https://nhar.tv/ZeUzQ
إعــــلانات
إعــــلانات