استهدف المدرسة العليا للدرك الوطني بيسر ببومرداس في حدود الساعة 7.30 صباحا…هجوم انتحاري يخلف 43 قتيلا و45 جريحا في صفوف المدنيين أغلبهم من الطلبة المترشحين الذين قدموا لاجتياز المسابقة
الخوارج يستهدفون الأبرياء ردا على مصرع قيادات الصف الأول في “القاعدة”
خلّف الهجوم الانتحاري الذي استهدف أمس “المدرسة الوطنية للدرك الوطني” بيسر بولاية بومرداس، 43 قتيلا و45 جريحا أغلبهم من المدنيين، فيما وقع دركي واحد قتيلا وأصيب 13 آخرون بجروح متفاوتة الخطورة، حسب آخر حصيلة رسمية. كما أصيب في نفس الاعتداء ركاب الحافلة التي كانت قادمة من الجزائر نحو ولاية تيزي وزو، الذين فاق عددهم 29 حسب شهود عيان، بجروح متفاوتة الخطورة، بينما توفيت امرأة كانت على متن سيارة من نوع “بيجو 307” رفقة أحد أفراد عائلتها.
وحسب شهود عيان، فإن الانتحاري كان على متن سيارة من نوع “هيلوكس تويوتا” معبأة بكمية كبيرة من المتفجرات، توجه بها، في حدود الساعة السابعة والنصف صباحا، نحو وسط حشد كبير من المترشحين الذين كانوا مصطفين في طابور أمام مدخل المدرسة ينتظرون دورهم لاجتياز مسابقة الدخول إلى “المدرسة العليا للدرك الوطني” وفجرها. وقد خلف الانفجار انهيار كل المباني الواقعة بمحاذاة المدرسة، وفي حين لم تسجل أية خسائر في الأرواح، أصيب البعض بجروح متفاوتة الخطورة جراء سقوط الأسقف عليهم، حيث تم نقلهم على جناح السرعة إلى مستشفى “برج منايل” و المستشفيات القريبة من المنطقة.
نجوت من الموت بفضل “فنجان قهوة”.. والعمليات الإرهابية لن تثني من إرادتي في الالتحاق بمدرسة الضباط
وصلنا في حدود الساعة 10 صباحا إلى مكان الحادثة، ثكنة “عبان رمضان” بيسر، فوجدنا المكان مطوقا من قبل عناصر الدرك الوطني وأفراد الجيش الشعبي الوطني وكذا عناصر الدفاع الذاتي. اقتربنا من أحد أعوان الدرك الوطني الذي أخبرنا، بعد إلحاح كبير منا، أن عدد الموتى قد ارتفع إلى 45 وأن التفجير تم وسط حشد كبير من المترشحين الذين قدموا من العديد من الولايات لاجتياز مسابقة الدخول للمدرسة العليا للدرك الوطني، غير أن الأجل لم يمهلهم.
في تلك الأثناء تقربنا أيضا من المدعو “ص. ص” الذي أصيب بجروح على مستوى وجهه، حيث كان واقفا بالقرب من المدرسة في حالة يرثى لها، ظنا منا أنه من سكان المنطقة، غير أنه أخبرنا بأنه قدم من ولاية باتنة رفقة 8 من زملائه لاجتياز المسابقة الثالثة، مضيفا أنه لحظة الانفجار لم يكن في الطابور مثل زملائه الذين قتلوا جميعا وإنما كان بالمقهى المجاور للمدرسة يتناول كوب من القهوة. في حين أوضح أنه لن يعود إلى المنزل بباتنة إلا بعد أن يجتاز المسابقة التي ستمكنه في آخر المطاف من دخول “المدرسة العليا للدرك الوطني” لكي يكون ضابطا في صفوف الدرك الوطني مستقبلا، وأن العمليات الإرهابية التي أصبحت تستهدف المدنيين أكثر من العسكريين لن تثني من عزيمته.
ابن دركي يروي تفاصيل الانفجار.. ظننا في البداية أنه زلزال عنيف.. لكننا اكتشفنا أنه زلزال أعنف ومن نوع آخر
أوضح لنا ابن دركي التقيناه صدفة، أنه يسكن بالمدرسة باعتبار أن والده دركي وقال أنه لحد الساعة لم يصدق ما جرى بالمدرسة نظرا للعدد الهائل من القتلى الذين سقطوا في الانفجار، في الوقت الذي أكد لنا أنه في حدود الساعة السابعة والنصف صباحا، بالضبط الساعة 7.20 ، استيقظوا على دوي انفجار كبير فظنوا في البداية أنه زلزال آخر عنيف قد هز المنطقة غير أنهم وبعد مرور لحظات قليلة اكتشفوا أن الأمر يتعلق بعملية إرهابية نفذها انتحاري بسيارة من نوع “هيلوكس تويوتا” وسط حشد كبير من المترشحين بغية إسقاط عدد كبير من القتلى، مشيرا في السياق ذاته إلى أن أفراد عائلته أصيبوا بجروح بسيطة فقط في حين تعرض منزلهم للتشقق جراء الانفجار.
قدمت من “تيزي غنيف” إلى “يسر” بحثا عن لقمة العيش.. فتفاجأت بالتفجير الإرهابي.. ولولا العناية الإلهية لأصبحت في عداد الموتى
حاولنا التقرب من أصحاب المحلات الواقعة في الواجهة المقابلة “للمدرسة العليا للدرك الوطني”، خاصة وأننا لاحظنا أن جميعها انهارت على آخرها، فأكد لنا المدعو “فاتح .ل” أنه لا يقطن بالمنطقة وإنما قدم من منطقة “تيزي غنيف” إلى “يسر” سعيا وراء لقمة العيش، مشيرا في ذات السياق أنه يعمل بأحد المطاعم هناك كنادل، وأنه استيقظ في حدود الساعة السابعة والنصف صباحا على صوت دوي الانفجار فتفاجأ بسقوط سقف المطعم عليه. وأضاف “لولا العناية الإلهية لكنت اليوم في عداد الموتى”.
لم أر شيئا.. كنت حينها نائما لأتفاجأ بانهيار منزلي بكامله
ومن جهة ثانية أكد لنا صاحب الفيلا الواقعة قبالة “المدرسة العليا للدرك الوطني”، أنه ساعة وقوع الانفجار كان نائما رفقة عائلته، حينها لم يتمكن من رؤية أي شيء لأنه كاد أن يسقط ضحية رفقة عائلته بعد انهيار الفيلا بأكملها، معلنا في ذات السياق أن زوجته قد أصيبت بجروح بليغة وقد تم نقلها مباشرة إلى المستشفى.
21 طفلا تعرضوا لصدمة نفسية بسبب الانفجار
ولد عباس لـ”النهار”: “ميزانية الدولة مفتوحة للتكفل بالضحايا لأن الإرهاب الجبان مازال مستمرا في أعماله الجبانة”
أوعز، جمال ولد عباس، وزير التضامن الوطني والأسرة والجالية الوطنية بالخارج، الأسباب التي حالت دون تمكنه من الكشف عن الميزانية التي رصدتها مصالحه للتكفل بضحايا التفجيرات المسجلة في الآونة الأخيرة، إلى العمل بوصايا الحكومة في هذا الإطار الرامية إلى الحفاظ على كرامة المواطن، قائلا “مهما بلغت الميزانية المخصصة في هذا الشأن، فإن حياة المواطن لا يمكن تعويضها وتقديرها بثمن”.
وأوضح ولد عباس، أمس، في اتصال مع “النهار”، أن ميزانية الوزارة تبقى مفتوحة بأمر صادر عن الرئيس بوتفليقة، مادام الإرهاب “الجبان” مستمرا في تنفيذ أعماله التي وصفها بـ”الجبانة”، لذلك، فإن مصالح الوزارة مجندة دائما ومستعدة للتدخل بأسرع ما يمكن لتقديم المساعدة لضحايا التفجيرات، مؤكدا أنه مستعد تمام الاستعداد لتعويض جميع ضحايا الإرهاب مهما بلغ عددهم، ومهما كانت الأضرار التي لحقت بهم.
وعن التفجير، الذي استهدف، صبيحة أمس، مقر المدرسة العليا للدرك الوطني بمدينة يسر ببومرداس، قال وزير القطاع، إنه تم إيفاد ممثلين عن الوزارة للاطلاع شخصيا عن الخسائر الناجمة عن التفجير، واستلام قائمة الضحايا وذلك بالتنسيق مع مصالح ولاية بومرداس، كاشفا في سياق متصل عن التكفل النفسي بـ21 طفلا من خلال اصطحابهم في رحلة إلى شاطئ تيبازة للترويح عن النفس، نتيجة تعرضهم لصدمات نفسية بسبب التفجير المنفذ بحزام ناسف صبيحة يوم أمس، في حدود الساعة السابعة والنصف صباحا.
سرية “التفجير” وراء العملية الانتحارية بالمدرسة العليا للدرك بيسر
رجحت مصادر مقربة من “النهار” أن سرية يسّر النشطة على مستوى البلدية ومنطقة بوشاقور وجزء من بلدية شعبة العامر، تكون وراء عملية التفجير الانتحاري الذي استهدف المدرسة العليا للدرك الوطني بيسر صباح أمس بزعامة “طرفي عمر” المدعو “هارون” المنحدر من بلدية شعبة العامر جنوب شرق ولاية بومرداس، وقد عملت الجماعات الارهابية المسلحة النشطة على مستوى المنطقة بتمسية منطقة “بوشاقور” المعروفة بكثرة الكازمات المتواجدة بها بـ “سرية التفجير”، نظرا لما ينتشر فيها من غابات كثيفة رغم صغر مساحتها، وكانت قوات الجيش الشعبي الوطني بداية الأسبوع الفارط قد تمكنت من الكشف عن نفق بعمق مترين بأحد بساتين الدلاع التابعة لأحد عناصر الحرس الذاتي بذات المنطقة محشوة بـ 8 براميل من “التي آن تي” التي تستخدم في صناعة المتفجرات ويجري البحث عن حوالي 74 برميل مملوءة بذات المادة. وقد تمكنت منذ بداية العام من الكشف عن 6 قناطير منها بعد تدمير عدة مخابئ، وهذا ما يدعم أن هذه الجماعات كانت تخطط لهذا التفجير منذ مدة ليس بطويلة.
ندّد بشدة الهجوم الانتحاري الذي استهدف المدرسة العليا للدرك الوطني:
سيدي السعيد: “العملية الإجرامية لن تخيفنا ولن تعطّل مسار المصالحة الوطنية”
أكد سيدي السعيد، الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي تنقل، أمس، إلى مكان وقوع الانفجار، أن “العملية الإجرامية التي استهدفت المدرسة العليا للدرك الوطني بيسر بولاية بومرداس، لن تخيفنا ولن تعطّلنا في مواصلة مسار المصالحة الوطنية”.
وأوضح سيدي السعيد في تصريحه للصحافة الوطنية، أن هناك إرادة قوية لمواصلة مكافحة الجماعات الإرهابية لأجل المحافظة على استقرار البلاد، في الوقت الذي ندّد بشدة بالهجوم الانتحاري وصفه بـ “الشيء غير المعقول”، خاصة أن تلك العصابات الإرهابية قد استهدفت المدنيين أغلبهم من الطلبة المترشحين الذين قدموا من 48 ولاية لاجتياز مسابقة الدخول للمدرسة العليا للدرك الوطني. مقابل ذلك، فقد قام سيدي السعيد بتفقد العائلات المتضررة منازلهم ومحلاتهم التجارية.
وصف الهجوم الإنتحاري بـ “العمل الجنوني”
عبد الرحمن شيبان: “لا يفعل هذه الأمور إلا أناس فقدوا عقولهم”
وصف الشيخ عبد الرحمن شيبان، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، العملية الإرهابية التي استهدفت شبابا بالقرب من المدرسة العليا للدرك الوطني، بـ “العمل الجنوني” وقال الشيخ “إنه لا يفعل هذا إلا من فقد عقله”.
ولم يستطع الشيخ عبد الرحمن شيبان الذي اتصلنا به، أمس، التعليق على الهجوم الإنتحاري الذي أودى بحياة أكثر من 40 شابا من المترشحين لمسابقة الإلتحاق بصفوف الدرك الوطني، قائلا إن “هذا العمل جنوني ولا يفعل هذا إلا من فقد عقله”، وقال الشيخ شيبان إن “طريق هؤلاء مسدود”.
إلى ذلك، قالت جمعية العلماء المسلمين في بيان لها، إن إراقة دماء الأبرياء وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بهم وتخريب ممتلكاتهم، هو مفسدة عظيمة للدين والوطن، مبرزة كيف أن الدين الإسلامي دين الرحمة والسلام والأخوة، أصبح يوصف بسبب هذه العمليات بأنه دين الإرهاب والعنف والقتل العشوائي، والعدوان على المدنيين، والدين الإسلامي بريء من كل هذه التهم الباطلة الظالمة.
وجددت الجمعية دعوتها إلى “من ضلت بهم السبل للعودة إلى أحضان عائلاتهم وشعبهم ووطنهم”، مطالبة السلطات المسؤولة “بترقية مسعى المصالحة الوطنية ومواصلة استعمال إمكانيات البلاد فيما يعود بالخير والنفع على كل أبناء الوطن”، وهذا اعتمادا على مبدأ العدالة الاجتماعية والحكم الراشد.
رد فعل الرئاسة الفرنسية لمجلس الاتحاد الأوروبي
أدانت رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي بشكل صارم الأعمال الإرهابية التي حصلت للتومخلفةً العديد من الضحايا في الجزائر. فالشعب الجزائري يقع مجددا ضحية اعتداءات إرهابية عمياء ووحشية. وتقدمت بأصدق التعازي لأسر الضحايا والمقربين منهم وكذا للسلطات الجزائرية. وأعادت رئاسة المجلس التأكيد على مساندتها للسلطات الجزائرية في مكافحتها للإرهاب وتقف إلى جانب الجزائر في هذه الظروف المأساوية.
رد فعل الولايات المتحدة الأمريكية
الشعب الأمريكي والحكومة الأمريكية يقدمون أخلص تعازيهم لعائلات ضحايا العملية الانتحارية التي استهدفت صباح أمس المدرسة العليا للدرك الوطني بيسر والعملية الإرهابية التي استهدفت قوات الأمن بسكيكدة يوم الأحد الماضي. كما نعبر عن مواساتنا وتعاطفنا مع عائلات الضحايا ومع كل الجرحى. نحن ندين بشدة أعمال العنف ضد الشعب الجزائري ونتعهد بمساعدة الحكومة الجزائرية بكل الوسائل الممكنة لإحالة مرتكبي هذه الأعمال الشنيعة على العدالة. سنواصل دعمنا للشعب الجزائري في تحقيقه للسلم والازدهار وفي محاربته لقوى الشر والحقد.