إعــــلانات

إنها أخطر من الإرهاب.. فحاربها لكي تستقيم البلاد

إنها أخطر من الإرهاب.. فحاربها لكي تستقيم البلاد

نتفق جميعا بأن الجزائر الحبيبة مع مرور عدة حقب، استعادت عافيتها بفضل الله تعالى وجهود المخلصين من جنود ومؤسسات أمنية وعسكرية، وكثير من الغيورين البواسل، ممن سهروا على دحر هذا المارد الإرهاب، الذي أراد من خلال فلسفته أن يعيدنا قرونا إلى الوراء، بل يطبّق الخلافة الإسلامية على حد زعم مناصريه والعاملين على تشجيعه وبقائه، وكل ذلك بفضل الإرادة والعزيمة، وإلا كانت النتائج وخيمة جدا.

لكن الإرهاب بمفهومه السياسي مهما اختلفنا في وجهات النظر حوله، فهو نتيجة عدة ترسبات اجتماعية عملت على تواجده - وهذا ليس موضوعنا ـ، بل كل ما يهمنا أنه  يمكن حصر مدة حياته في مرحلة زمنية معينة، وأنه مهما كان حجم الفاتورة، فالدولة كانت قادرة على دفع ثمنها، ونتفق بأن الجزائر فعلا تخلصت من هذا الخطر المحدق.

السؤال الذي يقابل هذا الاستنتاج هو: هل استطاعت الجزائر التخلص من ظواهر أخرى، هي حسب المحللين والخبراء أخطر من الإرهاب؟، ونأخذ مثالا حيّا هنا كظاهرة الرشوة التي لم يبدأ مفعولها منذ أحداث أكتوبر 1988 فقط، بل منذ الاستقلال وملامح تأسيس الدولة الجزائرية، وهي من سنة إلى أخرى تزداد استقواءً واستفحالا.

حتى أضحت ثقافة يومية إن لم نقل كالماء المعلب يُشرب في كل مكان، هذه الآفة موجودة في شتى بقاع العالم ونشطت منذ بدء الخليقة، لكن بين موطن وآخر هناك درجات مختلفة، ويعدّ بلدنا من أكبر المصابين بها، على الرغم من وجود محاولات كثيرة لمحاربتها، وإلا ما الذي يعنيه مرصد وطني لمكافحة الفساد وقبله للمحاسبة، وغيرهما من الهيئات والأجهزة التي رُسّمت من أجل غرض واحد.

لكن للأسف الشديد لم تحقق شيئا ملموسا، اللهم أنها استطاعت أن تجعل من نشاطها يتراجع ربما إلى الوراء ويتحرك بأشكال خفية، لأن الجميع من خبراء وباحثين وأساتذة جامعيين وحتى أئمة، اتفقوا على أن الرشوة قضية أكثر من معنوية وتتعلق بالقناعات الشخصية والضمير الإنساني.

وهنا بيت القصيد كما يقال، وهي تشبه بالأساس الإيمان من عدمه، وبقدر ما العقل هو مصدرها، فكذلك المصدر المسيطر فيها هو هوى النفس، تبدأ وتعيش حتى الخلود على شكل هرمي، أي من رشفة أولى وصولا إلى الإدمان الحقيقي، ولا يستطيع الفرد التخلص منها لأنها مرتبطة بالسير الحسن لمصالحه وبقائها.

خاصة إذا كان من ذوي النشاطات التجارية الكبرى، وهنا يكمن الاختلاف المشار إليه آنفا بين من يتعاطاها مرة واحدة في حياته من أجل غرض ضروري وملحّ، وبين من يتخذها عصا سحرية تقود كل نشاطاته، والأغلب من هؤلاء لن يستطيع الإفصاح عنها أو المجاهرة بها، على الرغم من علم الجميع ببعضهم البعض.

وبالرغم من علمهم كذلك أنها من المحرمات وكبرى الموبيقات، فالإنسان لا ولن يستطيع إبعادها من تفكيره، لأن البعض اعتبرها من سنن الحياة والعياذ بالله، لأنه يجيبك بأنها اللغة الأكثر دبلوماسية وتماشيا مع مسؤولين ورؤساء مصالح، الذين لا يطلبونها على المباشر، بل يشيرون إليها بألغاز ومعانِ ظاهرية.

ويبدو أن استنتاجنا الأول بدا جليا حين أوضحنا بأن الدولة الجزائرية بثقلها وترسانتها استطاعت أن تضع حدا للإرهاب كظاهرة عابرة للقارات، لكنها عجزت وستعجز إن حاولت أن تراقب ضمائر الناس وتضع مع كل واحد شرطيا يتابعه ويراقب تحركاته، وهذا كله نتيجة السياسات المتعاقبة، التي حملت معها أخطاءها وأخطاء من عقبها وتداول على نفس المسؤوليات والمراتب.

كل ذلك في  ظل غياب دراسات استشرافية ومستقبلية، كان بمكان التخطيط لها منذ ستينات القرن الماضي وليس بعد مرور نصف قرن وأزيد، لأن المعضلة والطامة الكبرى هي من يراقب من، وكأنه وجب القول الجميع متهم إلا من رحم ربك.

«إن الغصون إذ قوّمتها اعتدلت.. ولا يلين إذا قوّمته الخشب»، أي أن المعنى في بناء إنسان جديد، بعد أن ظل القديم الذي صار كقطعة خشب يابسة، لا أمل يُرجى منه.

رابط دائم : https://nhar.tv/l9RB4