أبي كتلة من العقد التي أطفأت نور حياتي
في مكالمة تركت فينا بالغ الأثر نحن العاملات في مركز الأثير، لشابة في العشرين من العمر هاتفتنا وقلبها يعتصر ألما، كيف لا والمصاب جلل، فحياتها منذ نعومة أظافرها في تقلب بين المر والأشد مرارة، صلب الموضوع، أب غير مسؤول، طاغ متغطرس أفرغ جام غضبه ومقته لزوجته على أبناء لا ذنب لهم في الحياة سوى أنّهم من صلبه، إلا أنّهم إلتفّوا حول أمّهم التي كان نبعا للحنان في الوقت الذي كان هو عنوانا للبطش والطغيان.
كلمات نبعت من قلب مكلوم تركت فينا أثرا كبيرا ننقل بعضا منه على لسان من وثقت فينا وبثت لدينا ما يعتصر فؤادها، فقالت:
هو أبي، الرجل الذي أحرى به أن يكون الأول في حياتي، حياة لم أرى فيها جميلا قط بسببه، منذ نعومة أظافري لم أرى منه إلا الألم والمعاناة، رجل دكتاتوري متعنّت، لم يحبب أمي يوما، فكان يعنفها ويضربها ويزدريها وينغص حياتها، كبرت أنا وإخوتي في ظروف يسودها الإهمال والبخل، ولولا ستر الله وتفاني والدتي التي خلقت من الإنكسار قوة تسندنا بها لما درسنا ولما نلنا الشهادات العليا .
والدتي المسكينة التي لم تختر أبغض الحلال عند الله بالرغم من أن كل ما كانت تحياه من هموم كان يدفعها لذلك، ضحّت بحياتها حتى لا تلتحق بركب المطلقات وحتى لا نتشتّت، عانت الأمرّين فلعبت دور الأب والأم معا ومنحتنا ما كنّا نحتاجه من رعاية وعناية ما جعلنا لا نرى الحياة إلا من خلال عينيها الجميلتين،كل هذا جعله يشتاط غضبا منا ويرمي علينا بعقده وكأننا لسنا أبناءه بل أعداءه.
تصوروا أبا تبلغ به الجرأة أن يخرج فلذات كبده ليلا من البيت لا لشيء إلا لأنهم إلتفّوا حول أمهم المكلومة التي نالت نصيبا لا يستهان به من الضرب والشتم والتعنيف، تصوروا منظر بنت في مقتبل العمر في الشارع وجها لوجه أمام الذئاب البشرية بسبب أبيها الذي يرى أنها تفضّل أمها عليه هو الذي لم يبتسم في وجهها قطّ.
لكم أن تتخيلوا حجم الإنتكاس العاطفي والناس من جيران وأقارب تسأل أبا عن سوء معاملته لأبنائه فيجيبهم بأننا عصاة لا رجاء منّ، ومن أننا نعامله أسوأ معاملة في البيت بعيدا عن أعين الناس.
لقد أهاننا وألّب الناس ضدنا وبات القاصي والداني ينعتنا بالعقوق والعصيان. لطالما تكلمنا معه وحاولنا جذبه إلينا إلا أنه يأبى ويصرّ من أننا نبيت له نية خبيثة والله وحده أعلم بأننا لا نريد سوى إصلاح البين بينه وبين أمي، ولسنا نودّ سوى أن نحيا في سلام، أحرام أن تستقر السكينة في حياتنا ولو لمدة من الزمن؟
أيعقل أن أبقى على هذه الحياة لا أمل منها ولا رجاء، حيث أنّ الأدهى من كل ما تقدم أن والدي يرفض تزويجي نكاية في وفي أمي التي تريد أن أنتقل إلى بيت زوج يصونني ويحترمني حتى أحيا حياة كريمة وأنجو بنفسي.
عقد أبي وغطرسته أطفأ كل جميل في حياتي، أحيا متعبة منهكة غير قادرة على الإستمرار، فما نلته زهاء 26سنة قتل أجمل أحلامي وقضى على كل تأمّلاتي، أريد أن يكون لي مستقبل وحياة مثل تريباتي، أريد أن أغرف من حنان والدي وأن أحيا في كنف أمّي الطيبة ، لا أريد لإخوتي الصغار أن ينالوا نفس ما نلته من والدي المكبوت الذي عاش حياة تعيسة نقلها لنا بحذافيرها وجعلنا نتجرع ألمها زيادة على بخله ولا مسؤوليته.
كم هي صعبة الحياة حين تأتينا الأزمات والضربات من أقرب المقربين إلى قلوبنا.
كلمة الأثير:
هي الحياة التي لا يمكننا أن نختار فيها أقدارنا، نحياها دائما وفق تقلبّاتها، وكأننا في مهب الريح ،مضطرّون لمجاراتها ومسايرة ما تمليه علينا في غالب الأحيان، ليس خوفا أو ضعفا وإنما حتى لا نخسر أكثر مما خسرناه، أن يأتيك الإبتلاء من أقرب المقربين إليك أمر يرمي بك في قعر البئر، فلا أنت تقوى على البقاء ولا أنت تقدر على الخروج.ولا يسعنا في هذا المقام إلا الدعاء لمن تتألم قلوبهم في صمت بالفرج والفرح.