؟20 مليار ''تبناج'' بـ''الكريدي'' في رمضان
أزيد من 10 ملايين سنتيم ديون في دفاتر ”الكريدي” عند تاجر واحد في الشهر
في ظلّ لهيب الأسعار، وتدنّي القدرة الشرائية لدى المواطن الجزائري، خاصة في الشهر الفضيل، لا يجد بعض المواطنين ”الزوالية” وأصحاب الدخل المحدود من مخرج سوى اللّجوء إلى القرض والاستدانة لدى التجار أو ما يعرف بـ”الكريدي” من المحلاّت التجارية والدفع عند قبض الراتب الذي ما إن يدخل الحساب حتى يصرف في الديون المتراكمة عند التجار، فمن محلّ المواد الاستهلاكية، إلى محل الخضر والفواكه إلى المخبزة، يُقسّم المواطن الزوالي راتبه الضئيل، لعلّه يستفيد مرّة أخرى من إمكانية أخذ ما يريد من حاجته لسد رمقه في الأيام العادية وتمكّنه من تحضير طاولة إفطار رمضانية بمستوى غني، وبأي وسيلة وإن كانت بـ”الكريدي” من أجل إطفاء نار ”السقاطة” في رمضان، وعدم حرمان البطن ما تشتيه العين من كل مأكل ومشرب طاب النظر إليه بعد يوم صيام شاق.
10 ملايين سنتيم ديون في دفاتر ”الكريدي” عند تاجر واحد
دخلنا محلاّ تجاريا صغيرا وسط الحراش، وطلبنا من صاحبه ”عمي مبارك”، شيخ طاعن في السن، أن يطلعنا على ما رفض غيره من التجّار إطلاعنا عليه، بحجة أنه من أسرار المهنة، إنه سجلّ القروض أو ما يُعرف بـ”الكارني تاع لكريدي”، اقتنينا منه بعض الأغراض، ورحنا نبحث بأعيننا على أي دفتر للكريدي مركون في أي زاوية من الرّف.. لمحنا دفترا صغير فقد غلافه الخارجي لونه الأصلي، فقلنا في أنفسنا، أن هذا هو مقصدنا، فاستسفرناه عن ”الكريدي” فابتسم، فأشرت إلى الكراس، أريد هذا، أليس هذا دفتر ”الكريدي”؛ فردّ ”نعم”، وسلّمنا الدفتر وراح يوضّح عمي ”مبارك”، الزبائن ببساطة يشترون كل شيء، القهوة والزيت والحليب والطماطم المصبرة.. هناك من يدفع بعد يوم أو يومين، وهناك من يدفع بعد شهر، أو شهرين أو ثلاثة، وهناك من يتهرّب من الدفع ويتناساه.وأضاف، أنه يسمح لبعض الزبائن فقط ممن يثق فيهم بالكريدي من عنده، لأن الكريدي مسألة ثقة، رحنا نتصفّح الدفتر، فوجدنا أسماء لأشخاص وأخرى لعائلات، وفي بعض الأحيان ”وليد فلان”، حتى يتذكّر المستدين جيدا، ودائما بجنبها أرقام تشير إلى قيمة الدين أو الكريدي، وأمامها قائمة المقتنيات.. المبالغ لم تكن كبيرة جدّا، تتراوح ما بين 600 دج و3950 دج، غير أنه لفت انتباهنا رقم أكبر 15400دج، سألنا ”عمي مبارك” فأجاب أن صاحبه اقتنى من عنده في أول أيام رمضان ما يحتاجه من مواد استهلاكية، لأنه لم يقبض راتبه، وأنه ينتظر أن يدفعه لاحقا. وقد بلغت قيمة ديون الزبائن في السجلّ أزيد من 10 ملايين سنيتم خلال الأيام الأولى من رمضان فقط، وهو رقم مرشّح للارتفاع.
”ياغورت.. شوكولاطة ومربى” مقتنيات الجزائري بـ”الكريدي”
محلّ عمي مبارك فتح شهيتنا للإطّلاع على دفاتر أخرى، وكشف المزيد عن حقيقتها، قصدنا محلاّ آخر ووجدنا ابن صاحب متجر؛ شاب اسمه ناصر، طلبنا منه إن كان من الممكن إطلاعنا على بعض المعطيات حول الكريدي، فرحّب بالفكرة وقال إن الجزائريين يستدينون لشراء الكماليات على غرار الياغورت والشكولاطة والحلويات، وغيرها، فطلبنا أن يُطلعنا على أحد السجلاّت، أين أطلعنا على مقتنيات شخص فاقت مليون سنتيم، كانت معظمها كماليات من مربى وزيتون أسود ومواد منظّفة غالية، ليعلّق ساخرا ”مليون كريدي على التبناج”، وأكد أن أكثر الزبائن يفضّلون شراء المواد الأساسية نقدا، ودفعها في الحين فيما يفضّل تسجيل المقتنيات الكمالية ”التبناج” في السجلّ على أن يدفع حقها لاحقا حتى لا يتأثّر جيبه -حسب تعبير الشاب- بهذه التكاليف والأعباء الإضافية، وقال إن معظم الزبائن يُنفقون أكثر من مقدرتهم المالية.
ممثّل التجار: ”ثلث الجزائريين يعيشون بالكريدي وقيمتها تفوق 20 مليارا”
قال الناطق الرسمي للاتّحاد الوطني للتجار والحرفيين الجزائريين ”الحاج الطاهر بولندار” في اتصال بـ”النهار”، إن ثلث الجزائريين يقتنون إما جزئيا أو كلّيا، موادا استهلاكية بـ”الكريدي”، وأرجع سبب ارتفاع النسبة إلى غياب الثقافة الاستهلاكية عند المستهلكين الجزائريين الذين يقتنون مواد استهلاكية بالكريدي من محلاّت التجزئة التي من شأنها أن تُلقي بضررها على التاجر، خاصة وأن صاحب المحل التجاري يجمع مدخوله الشهري، وأضاف ”بولندار”، أن القدرة الشرائية عند الجزائريين انخفضت إلى 10 من المائة، وأنها منذ أشهر لم تتحسّن، لأن سياسة الحكومة والنقابات الحكومية لا تعرف أسبابها، وقال، إن حجم الكريدي بين تاجر التجزئة وبين زبونه على المستوى الوطني؛ تصل إلى 20 مليار سنتيم حسب الإحصائيات التي قام بها اتّحاد التجار.