''مشروع قانون المحاماة اغتيال مع سبق الإصرار والترصد لهيئة الدفاع''
اعتبر الأستاذ خالد برغل، محامي معتمد، مشروع قانون المحاماة اغتيالا مع سبق الإصرار والترصد، داعيا أصحاب الجبة السوداء إلى التصدي له ومنع التصديق عليه، وتحدث الأستاذ برغل في حوار مع ”النهار”، عن مختلف الجوانب التي تخص القانون وهيئة الدفاع بشكل عام.
1 - أصوات المحامين ترتفع هنا وهناك منتقدة مشروع قانون مهنة المحاماة وبصفة خاصة أحكام المادة 2، هل بإمكانكم أن تبيّنوا لنا مدى شرعية هذه المخاوف؟
لقد اطلعت في الأيام الأخيرة على مشروع قانون تنظيم مهنة المحاماة، وهو حاليا مطروح على المجلس الشعبي الوطني لدراسته والتصديق عليه .
أود أن أقول في هذا الصّدد، أنّ مشروع القانون لم يعرض على الجمعيات العامّة للمحامين على المستوى الوطني، وبالتالي الأغلبية السّاحقة للمحامين يجهلون تماما ما احتوى من أحكام .
وأن صياغة المشروع تأخرت كثيرا بالمقارنة مع القوانين الأخرى، بسبب الخلاف الذي كان قائما بين اقتراحات وزارة العدل وهيئة المحامين، بخصوص بعض الأحكام المجحفة والتي تمس أصلا بحق الدفاع .
ومهما يكن فإنّ الصيغة النهائية للمشروع كانت مفاجأة لهيئة الدفاع بأكملها، وتحاول وزارة العدل فرضها بشتّى الوسائل، في الوقت الذي انشغل فيه المحامون في تجديد ممثليهم .
لذا بات من الواجب على كل من يحمل شرف الجبة السوداء، أن يهتم بمصير المحاماة وخاصة المنتسبين الجدد الذين قد يتضرّرون أكثر من غيرهم .
هذا ما يفسّر حركية المحامين حاليا، في محاولة لإسماع انشغالاتهم وقلقهم إلى الرأي العام، بغرض إعادة النّظر في المشروع أو سحب جميع الأحكام التي تمسّ حق المواطن المتمثل في حق الدّفاع .
2- وماذا عن أحكام المادة 24 المتنازعة؟
– إن مشروع القانون يتضمّن 134 مادة، وأن المادة 24 وحدها هي أطول المواد من حيث الصياغة وأخطرها على حق الدّفاع، حيث تقترح تدابير وإجراءات أشبه ما تكون ” بمحكمة لقمع المحامي ”،مشكلة تشكيلا قانونيا بقواعد إجرائية خاصة،سريعة ومجحفة لايمكن للمحامي أي كان مقاومتها .
إنّ أحكام هذه المادة تنصب القاضي خصما مباشرا للمحامي، عندما يكون بصدد الدفاع عن مصالح المتقاضين، وتحوّله بجرة قلم من مدافع إلى متهم يطرد من رحاب القضاء أمام الملإ، فيلاحق أمام المجلس التأديبي، وفق ترسانة من التدابير الفورية .
3- عمليا كيف تجسّد أحكام هذه المادة؟
حسب أحكام هذه المادة، فإن أي إخلال، أي أن مجرد همسة أو ابتسامة، ناهيك عن ” تشراك الفم ” ، عندما يستوجب الأمر انتقاد أداء مختلف السلطات، قد يراها القاضي إخلالا وبالتالي يمكنه أن يأمر بتحرير محضر بالواقعة، لتتحرك الآلة رقم 24 وتلتهم المحامي في نفق مظلم، يبدأ بالطرد الفوري والعلاني، ثم الإحالة وفق إجراءات محدّدة ودقيقة على مجلس التأديب أو اللجنة الوطنية للطّعن، بسعي من رئيس المجلس القضائي ومراقبة وزير العدل ممثلا في النيابة العامة ، بصرف النظر عن باقي التدابير التي تمس بشرف واعتبار المحامي وحق المواطن في اختيار دفاعه .
4– هل بإمكان المحامي أن يدافع عن نفسه؟
تعرفون جيدا بأنّ المحاماة هو آخر فضاء للحرية، تريد الحكومة النيل منه باقتراحها تدابير قمعية كسلاح فتّاك تضعه في متناول القاضي لاغتيال المحامي، ومن ثم اغتيال الحقيقة والإخلال بميزان العدل .
إنّ المحضر الذي يأمر به القاضي، هو محضر قضائي لا يحتمل الخطأ، فهو مثل الرصاصة تصيب هدفها في كل الأحوال .
فالمحضر المحرّر من كاتب الضّبط يأمر به القاضي، وبالتّالي تكون له حجة الإثبات ولا يمكن عكس ما اشتمل عليه إلاّ بالتزوير .
وبمجرد تحرير المحضر يتحرّك سلك العدالة كله ضدّ المحامي ، ولن يجد أية جهة قضائية أو إدارية يمكن أن تصغي إلى روايته أو تقبل دعواه .
فالمحضر يأمر به القاضي ويسعى رئيس الجهة القضائية إلى الملاحقة التّأديبية ويشهد النّائب العام على التّنفيذ، فالمعادلة في منتهى الوضوح ولا تحتاج إلى تعليق !!
5– برأيكم ما هي الأسباب التي برّرت اللّجوء إلى ابتكار مثل هذه الآلية لفرض الإنضباط؟
إنّ مجرد إدراج هذه الأحكام في مشروع قانون مهنة المحاماة، يشكل في اعتقادي جهلا بأصول المحاماة المتعارف عليها دوليا، ويشكّل في ذات الوقت استفزازا لهيئة الدفاع، وهدرا لحق المواطن في دفاع قوي وحر أمام قضاء مستقل ونزيه .
إنّ الإقتراح في حالة التصديق عليه – لا قدّر الله – سيكون بمثابة اغتيال مع سبق الإصرار والترصد لهيئة الدفاع في بلادنا التي تصبو إلى بناء دولة القانون، الهدف منه إخلال وتركيع المحامين، وهذا ما لا نقبل به مهما كانت الظروف .
لأنّ المحامين هم قاطرة المجتمع المدني، دورهم ريادي وقيادي في كل الأزمات ويكفي استقراء الأحداث الأخيرة التي وقعت في العالم، لتقفوا على إنجازاتهم والمحامين الجزائريين لن يكونوا استثناء، باعتبار أنّ المهنة عابرة للحدود .
للإجابة عن سؤالكم، سأعود إلى عرض الأسباب التي تصدرت المشروع الذي تقترحه الحكومة على البرلمان .
يتبيّن بكل جلاء، أنّ أصحاب المشروع استندوا إلى سببين اثنين؛ الأول سياسي والثاني قانوني :
١- أمّا التبرير السياسي، فيمكن أن نلمسه في الفقرة التي وردت في عرض الأسباب وهي كالتالي :
” طبقا لبرنامج فخامة رئيس الجمهورية المتضمّن إصلاح العدالة وتوصيات اللّجنة الوطنية التي أسّسها لهذا الغرض .”
في هذا الإطار، لا أعتقد أنّ رئيس الجمهورية الذي شرّف هيئة الدّفاع، بقبوله حمل صفة المحامي الشّرفي، وهو القاضي الأول، كما أنّ ارتداءه لجبة المحامي كانت رسالة نبل وتقدير، وبذلك صار درعا وحصنا حصينا للمحامين والقضاة على حد سواء .
لا أبالغ إذا قلت لكم أنّه الرئيس الوحيد الذي يعرف أكثر من سابقيه دور المحاماة والطب، لأنّ كلا المهنتين أقرب إليه من حبل الوريد .
وبخصوص الإشارة إلى توصيات اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة التي أسسها رئيس الجمهورية، فإنّي على يقين أنّ التدابير المقترحة من طرف وزارة العدل ممثلة للحكومة، لم تصدر عن اللجنة، لاسيما أنّ هذه الأخيرة ترأسها محام قدير ومعروف دوليا، ومهما يكن فإنّ أعضاء اللجنة لايزالون أحياء، يمكنهم التدخل في أي وقت في هذه المسألة .
وعليه لا يكفي الإختفاء وراء برنامج رئيس الجمهورية وتوصيات لجنة إصلاح العدالة لتصفية الحسابات مع المحامين، وتأزيم الأوضاع أكثر مما هي عليه الآن، ذلك أن نجاح إصلاح العدالة، مرهون بالإصلاح الموضوعي والعقلاني لهيئة الدفاع.
2- أما التبرير القانوني ، فإن عرض الأسباب يشير إلى أحكام المادة 31 من قانون الإجراءات المدنية .
في هذا الإطار يتعين التذكير بأن أحكام المادة 31 التي يرتكز عليها أصحاب المشروع، قد ألغيت تماما من قانون الإجراءات المدنية منذ 2جويلية 2008 تاريخ صدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد .
فهل من المعقول أن تدرج المادة 31 التي أضحت لا وجود لها منذ ثلاث سنوات في قانون تنظيم مهنة المحاماة بعرض في عام 2011 !
في اعتقادي كلا التبريرين السياسي والقانوني لا أساس لهما، وبالتّالي فإن الإقتراح اعتباطي ينم عن حقد دفين من بعض الإطارات المتخندقين في دواليب الدّولة .
6– ما هو موقف القضاة؟
بحكم تجربتي الطويلة في رحاب القضاء، أكاد أجزم بأنّ جميع القضاة الشّرفاء وعلى جميع مختلف الجهات القضائية، يرفضون باقتناع عميق مجابهة أو مخاصمة المحامي، ولم ولن يلجأوا إلى هذا السلاح الفتاك، حتى لو تم إقراره عنوة وهذا أمر مستبعد .
لأنّ ذلك سينجرّ عنه آثار سلبية وكارثية على الجهات القضائية، وتؤدي حتما إلى صدامات بين القضاة والمحامين، تليها مقاطعات وإضرابات نحن في غنًى عنها .
التصديق على هذه المادة معناه تحويل رحاب الجهات القضائية إلى صراع دائم بين فئتين ، القضاة والمحامين، في حين أن قنوات الحوار والتفاهم والإحترام المتبادل كانت ولاتزال القيم المحبّذة في حل أي نزاع قد يطرأ في الجلسة أو خارجه .
إنّ الإحصائيات تفنّد مزاعم أصحاب المشروع، فمنذ حوالي 30 سنة من العمل القضائي في ظل أحكام المادة 31 من قانون الإجراءات المدنية الملغاة، لم تحصل خمس أو ست حالات .
وأن أغلبية القضاة تقاعدوا ولم يفكّروا في تطبيقها يوما، بل أن البعض منهم ” يجهلون صياغتها القديمة ” ، لأن مطاردة المحامي لأتفه الأسباب ليس هم من أولوية القاضي .
فلماذا إذن إدراج هذه الأحكام الغريبة التي لا وجود لها في التشريعات البدائية من شأنها أن تحوّل المحاكم والمجالس القضائية إلى فضاء يتصارع فيه المحامي مع القاضي، بدلا عن الفصل في قضايا المواطنين .
أم أنّ حكام اليوم يعتقدون أنهم في غنًى عن خدمات المحامي، وبالتالي يفكّرون في إضعافه وإذلاله، أقول لهؤلاء أنّ رؤساء دول لم يجدوا في نهاية المطاف سوى محامين للوقوف معهم والأمثلة كثيرة .
إن القضية لا تعني المحامين وحدهم، بقدر ما تعني القضاة، لذا يتعين على نقابة القضاة أن تدلو بدلوها في هذه المسألة حتى نسجل موقفها في التاريخ .
نقابة القضاة التي اشتكت من المفتش العام المعروف بجديته ونزاهته من بعض الألفاظ التي يكون قد تلفظ بها أثناء المساءلة، واعتبرت مساسا بالكرامة والإحترام الواجب للقاضي .
فماذا عساها أن تقول نقابة القضاة في طرد المحامي، وهو يرتدي الزي الرسمي أمام الملإ، وملاحقته تأديبيا من الجهة القضائية ذاتها ومنعه من الممارسة .
ألا يعتبر هذا مساس بالكرامة والإعتبار وتمريغا لكل القيم الأصلية التي توارثناها عن القضاة الحكماء والمحامين الشّجعان، أم ستخندق نقابة القضاة مع القاضي في معركة محسومة مسبقا، علما أنّ التركيبة البشرية للمحامين، تضم خيرة القضاة من مختلف المراتب !!
فمن يعاقب أو يلاحق من؟ إذا كان مصير وحلم أي قاضيهو أن يصبح محاميا في نهاية المطاف .
7– هل سبق في تاريخ القضاء أن أدرجت مثل هذه الأحكام الردعية؟
سؤالكم يذكّرني بالأحداث الأليمة التي عاشتها الجزائر خلال سنوات الجمر ، عندما فكّرت الدّولة في إدراج مادة صريحة في قانون مكافحة ما يسمى بالإرهاب، من شأنها تسليط عقوبة جزائية ضد كل محامٍ يرفض الدفاع لأي سبب كان في القضايا التي كانت تطرح على المحاكم الخاصة
طبعا تلك الأحكام كانت مهزلة قانونية بكل المقاييس، ومع ذلك وجدت من القضاة من حاول تطبيقها وبحماس إستجابة لنداء الحكومة لطي وتسوية الكم الهائل من الملفات آنذاك .
ولكن في نهاية المطاف، سقطت هذه المادة من تلقاء نفسها، والشيء المؤسف أن من كان وراء هذه المادة ادّعوا أن المؤسسة العسكرية هي التي أوصت بذلك، ولكن تبيّن فيما بعد أن هذا الإدعاء غير صحيح، بل هو مجرد غطاء وبهتان .
8– كيف ستتصدّون إلى هذه الأحكام التعسفية حسب رأيكم؟
في الوقت الذي كنّا ننتظر فيه المزيد من الحريات التي تطالب بها فئات المجتمع، يأتي مشروع قانون مهنة المحاماة بأحكام تخالف تماما رياح التغيير التي عصفت بالعديد من الأنظمة ولا تساير بالمرة الإجراءات السياسية التي تم الإعلان عنها في بلادنا .
أنا متأكد من أنّ الصياغة الحالية للمشروع كانت سابقة لما تشهده الجزائر حاليا من حراك اجتماعي وسياسي، لاحتواء بؤر التوتر وإنهاء أسباب العنف بمختلف أشكاله .
لذلك أساهم كمواطن أولا، وكمعني مباشرة بهذه الأحكام، في إعلام وتحسيس كافة المحامين بخطورة المادة وعدم مطابقتها لأحكام الدستور والمواثيق الدولية، وتنافيها مع الأصول والأعراف الدولية في المحاكمة العادلة .
كما ننبّه ونحذّر السلطات المعنية من الآثار الكارثية التي ستنعكس على الجهات القضائية عبر الوطن والخسران المبين الذي سيلحق لا محال بالمواطن بالدّرجة الأولى .
وإنّي على يقين بأنّ الإتحاد الوطني للمحامين سيرجع إلى الجمعية العا مّة، الإطار السيد لاتخاذ القرار المناسب للدّفاع عن المصالح العليا للمحاماة صفا واحدا، وفي حالة التّقاعس، فإنّ مبادرة المحامين الشّباب بدأت معالمها ترتسم في الأفق وستجرف الجميع إلى شواطئ مجهولة .
9 – كلمة أخيرة؟
إن مشروع قانون مهنة المحاماة يحتاج إلى إثراء وتنقيح من المواد الدخيلة، وتعديله بخصوص بعض الأحكام المتعلقة بالمحامين المتربصين، لأنّهم حقيقة يظهر أنّهم محل مساومة خلال المناقشات على أحكام المشروع، وإلا كيف يمكن التفكير في إقصائهم من حق طبيعي ودستوري، ألا وهو التّصويت مهما كانت الذرائع، ثم إخضاعهم لفترة تربص لا تكاد تنتهي إلاّ بعد مرور 6 سنوات ، المجال والوقت قد لا يكفيان للتّطرق إلى هذه المسائل .