صدمات من الماضي تهدّد اليوم حياتي..
تحية طيبة سيدتي، وكل الاحترام لك وللقائمين على هذا الركن، صدقيني إن قلت لقد فاض بي الكيل. وأنه بات من الضروري عليّ أن أتخلص من هاجس الخوف، الذي أراه يهدد بيتي. والزوج الذي يحبني، وأيضا مستقبل أطفالي، فأنا صرت أرى نفسي زوجة وأم فاشلة. والسبب خوفي المستمر من كل شيء، وهاجس الماضي الذي يلاحقني منذ مراهقتي.
أنا شابة في الـ35 من عمري، متزوجة أم لأولاد، أحمد الله على النعمة التي أعيش فيها، لكنني أشعر أنني سأخسر كل شيء. وأخاف من كل شيء، بسبب الماضي، الذي لا أذكر منه شيء جميل سوى طفولتي والدلال الذي حظيت به من والدي رحمهما الله. لأنني ما إن دخلت فترة المراهقة، وجدت نفسي يتيمة، وبدأت أعاني من معاملة إخوتي القاسية، كنت كلما أجلس للدراسة تبدأ طلبات أشقائي التي لا تنتهي. وإذا رفضت باحترام بحجة الدراسة ينهالون عليّ بالضرب، فصرت مطيعة لأتفادى ضربهم وقسوتهم معي. كبرت وأنا أعاني من نفس المعاملة، حتى صرت المنبوذة وسطهم، فالكل يتجنب الحديث معي، وكبرت تلك المخاوف. حتى بعد زواجي أصبحت أخاف من حكم الناس عليّ، أخاف من أكون أما فاشلة، لهذا أحيانا أكون حازمة مع أولادي. حتى في الخلافات اليومية التي تحدث بين أي زوجين أخاف جدا من أن تتفاقم ويصل به الأمر لأن يضربني. فصرت حزينة لا تعرف السعادة طريقها لي، أريد حلا، لأنني لا أريد أن أظلم زوجي ولا أولادي. ولا أريد أيضا أن أظلم نفسي، فكيف أتخلص من الخوف المستمر؟ ومن ذكريات الماضي المر؟
الــرد:
حقا رسالتك يتمزق لها القلب، قرأت فيها كل أنواع مشاعر الغربة عن النفس، لكن ما أثلج صدري وأشعرني بالاطمئنان أنك سيدة جد ناضجة وصلبة، بدليل خوفك على من حولك، لأنك تعين جدا أهمية الرسالة التي حملت على عاتقك، والتي تستوجب منك أن تكون صالحة بأتم معنى الكلمة.
سيدتي الفاضلة، إن أول ما أدعوك إليه هو فتح نافذة الأمل التي تطل على النعم التي وهبك الله، استشعريها حتى تمدك القوة للثبات أمام كل تلك الهواجس التي تريد أن تنقص من عزيمتك.
لقد تحدث عن علاقتك بإخوتك في الماضي، لكن لم تقولي كيف هي الآن؟ ولو أنني أظنها طيبة، لأن ما تشعرين به هو شوائب عالقة في ذاكرتك من الماضي وليس الحاضر، لهذا هوني عليك وليكن عزائك أمرين: أما الأول فهو عوض الله في زوجك وأولادك، والثاني علاقتك الطيبة والحالية بإخوتك، ثم حاولي أن تتصالحي مع نفسك، وبدل أن تخسري روح الحياة فيك ضعي نصب عينيك الرسالة التي أنت مكلفة بها والتي ستُسألين أمام الله عليها.
اعلمي أنّ المسامحة مهمة جداً للإنسان، فهي تفعل دور المسكن للألم الذي يشعر به، وتخفف ثقله، وترفع ثقته في نفسه، خاصة حين يكون في موضع قوة يمكنه من الرد عن أي إساءة.
حبيبتي أم إسراء حلك لنسيان الماضي هو تعزيز مستوى الثقة لديك، وهذا يتحقق أولا بالرضى بما قسم الله لنا، ثم بحب الذات، وفورا تخلصي من الأفكار السلبية التي انتهت صلاحيتها، وبات غي مجدٍ اجترارها، واستبدليها بالأمور الإيجابية، فكلما خطرت على بالك فكرة سوداوية بدليها بفكرة مشرقة تسعد قلبك.
وأكثر من هذا أدعوك إلى الإحسان لإخوتك، وحافظي على صلة الرحم بهم، وتذكري دوما قوله تعالى: “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”، ثم اهتمي بنفسك وببيتك، واجعلي من منزلك المكان المريح نفسيًا لك ولزوجك، وعطري حياتك بالاحترام والمودة، واهتمي بصحتك وبصحة زوجك، واطهي الطعام المحبب لكما، وتحدثي مع زوجك تارة، واستمعي له تارة أخرى، دللي نفسك واعتني بكل ما يختص بزينة الأنثى، والبحث عن مفاتيح السعادة النفسية التي تنعكس على علاقتك بزوجك وأطفالك الذين لا ذنب لهم إذ تعاملينهم بكل حزم، فهم بحاجة أكثر إلى عاطفتك وحنانك.
وفي الأخير أقول لك أن السعادة الحقيقة هي التي بين يديك الآن، وبما أنعم الله عليك، فلا تفوفتي أي فرصة لاغتنامها وعيش السعادة بالرضا بها، موفقة وأتمنى مراسلتنا من جديد.