الناقدة المصرية خيرية محمد للنهار: علاقة السينما العربية بالسلطة لا تخلو من المساومة
كشفت الناقدة “خيرية محمد إبراهيم البلشاوي” أن الحرية التي تعمل في كنفها السينما العربية عموما والمصرية علي وجه الخصوص هي حرية شكلية
ومحسوبة من طرف السلطة، التي تستغل السينما في تبديد التوتر لدى الشعب، وعن هذه الأعمال وخلفياتها تحدثنا الدكتورة في زيارتها إلى الجزائر.
النهار: موجة من الشباب التي تقدم أفلام الأكشن وأفلام الكوميديا جعلت العديد من النقاد يتحدثون عن موت السينما المصرية وتحولها عن المسار الجاد الذي بدأته أفلام الأبيض والأسود؟
خيرية : أنا أرفض هذا الرأي، فالسينما المصرية لا تكف عن الإنجاز. هناك تيارات في السينما المصرية ولكل حقبة تيار يمثلها، فمثلا العام الفارط سيطر الفيلم الكوميدي، أما هذا العام سيطرت موجة السينما الاجتماعية التي تتوجه إلى الواقع بسكاكين، تكشف عنه وتشرحه، وتفتح نافذة واسعة للإطلال على كدماته وأوجاعه الحقيقية.
النهار: من بين أهم الأفلام التي أحدثت ضجة هذا العام، “هي فوضى”، “الجزيرة”، وفيلم “حين ميسرة” لجرأة الطرح، الذي اتصفت به هذه الأفلام، ما يجرنا للتساؤل عن شكل العلاقة بين السينما والسلطة؟
خيرية: علاقة العمل الفني بالسلطة فيها قدر كبير من المساومة فلا يمكننا القول أن الأفلام الثلاث أفلتت من قبضة الحكومة والرقابة، لأنها أفلام مصرح بها من طرف وزارة الداخلية، واستفادت كذلك من الدعم اللوجستيكي للدولة، ولكن الحرية التي منحت لها هي حرية “محسوبة” تخدم السلطة بشكل كبير.
النهار: كيف تخدم السلطة والمتتبع لهذه الأعمال يراها وكأنها تؤلب الرأي العام ضد السلطة؟
خيرية: أبدا، بالعكس السلطة تستغل هذه الأفلام في “تبديد التوتر”، بجعل السينما متنفسا لهذا المواطن الذي يريد أن يعبر عن همومه ومشاكله، فهي اختارت أفضل طريقة “سلمية” لتكون متنفسا له، فنحن أمام “حرية صراخ” والدولة تكفل هذه الحرية ما دامت هي صاحبة اليد العليا، وهذه الحرية حتى وإن كانت للسلطة مصلحة فيها فهي تخدم الفن بشكل أو بآخر.
النهار: في فيلم “حين ميسرة” يتعرض المخرج “خالد يوسف” إلى مشاكل الأحياء العشوائية بمصر بطرح جريء، من خلال طرق الطابوهات المعروفة، أليس كذلك؟
خيرية: هذا الفيلم وكل الأعمال التي تصب في نفس اتجاهه، تم انتقادها على مستويين، أولا نقد الموضوع فهناك من يقول “لماذا ننشر غسيلنا الوسخ “، وهي نظرة قاصرة انتقدت من قبل النقاد والصحفيين، لأنه لن يسيء إلينا فيلم يكشف عن جوانب اجتماعية فيها قصور وتقصير، وهي ظواهر موجودة لا يمكن التستر عليها، لدينا شعب فقير، أطفال شوارع ودعارة .. النقطة الثانية التي انتقدت فيها هذه الأفلام، هي طريقة الطرح الجريئة وهذا النقد يمثله التيار المحافظ، ولكن الجمهور يتقبل هذه الأفلام ويدفع ثمن التذكرة ليشاهدها، والمخرج مع ما يطلبه الجمهور فهو الحكم الأول والأخير.
النهار: في خضم هذه المواضيع تغيب القضايا العربية عن السينما المصرية التي كانت في وقت ما المنبر الأول لمعالجة هذه القضايا، قبل المنابر السياسية؟
خيرية: فعلا لا توجد في الآونة الأخيرة وبالتحديد في العشر سنوات الأخيرة الكثير من الأفلام التي تعبر عن القضايا العربية، فما عدا فيلمي “باب الشمس” لمخرجه يسري نصر الله وفيلم “السفارة في العمارة” لمخرجه عمرو عرفة لم نسجل أي أفلام تتطرق للقضايا العربية، وهذا راجع إلى ارتباط المخرج المصري والمخرج العربي بصفة عامة، بالمناخ السياسي الموجود في مجتمعه، فمثلا الآن القضية الفلسطينية لا تطفو على سطح اهتمامات المجتمع والشارع العربي، ومع ذلك لا يمكننا القول أن القضية العربية غائبة تماما عن الأفلام، فهي موجودة دائما في خلفية العمل الفني.
النهار: ما زال النقاش حول الدراما السورية والمصرية يطرح في عديد المناسبات، هل هناك فائدة من هذا النقاش؟
خيرية: هو نقاش سلبي وعقيم و لا يخدم الأعمال الفنية العربية ولا يصب إلا في مصلحة من يريدون أن تزيد الفجوة بين الفنانين العرب.
النهار: باعتبار أنك ناقدة سينمائية، هل هناك فعلا نقد فني عربي؟
خيرية: مستوى النقد الفني في الوطن العربي يعكسه مستوى الفيلم العربي الذي ما زال يحبو ويحاول أن يصعد وينمو ويجتهد، لكننا ما زلنا نعتمد على التنظير الأوربي الغربي ونعتمد على الخبرات الغربية ونوظفها في أعمالنا للتعبير عن واقعنا.